قوانين الاستخلاف ونظرية الاستقطاب الرباعي


 غلاف ـ واجهة


قوانين الاستخلاف
 ونظرية الاستقطاب الرباعي


أحاديث منتدى الغرابة


محمد المهدي الحسني
7 يناير 2013





قوانين الاستخلاف ونظرية الاستقطاب الرباعي

أحاديث منتدى الغرابة

المحتوى:

تمهيد
نقطة نظام! توحيد المفاهيم
التأهل للاستخلاف ونظرية الاستقطاب الرباعي
تحذير! تحذير! عاصفة مشوشة عبر الأثير!
رد العدوان بحكمة القرآن!
بقية أسس النظرية
نمذجة رياضية
النظرية وعلم الأنطروبولوجيا التجريبية
العصبية المذمومة والعصبية المحمودة
 تأويل أحاديث نادي الغرابة
خاتمة

















  




تمهيد

راجع شباب منتدى الغرابة جدول أعمال جلسة الجمعة الرابعة من الشهر فخصصوها لتدارس الأفكار الملهمة للقوانين المتحكمة في الاستخلاف الراشد، وتسخير الكون لصالح عيال الله وهم كل أبناء آدم. ذلك من أجل الرقي بمجلسهم إلى مستوى استنباط العلم الذي ينفع. والعلم النافع هو العلم الذي ترجى منه  مصلحة العباد في دينهم ودنياهم.
ومنه العلم الذي ينقب على القوانين التي تتحكم في تسخير الكون للإنسان الراشد وهو خليفة الله في الأرض. والخلافة على الكون ليست بالمسؤولية الهينة. يمكن عبرها اكتساب التمكين الذي هو عين التخلق بأسماء الله الحسنى كلها ما عدا الأسماء التي منعت قوانين الشريعة التخلق بها: الكبرياء والجبروت. وفي ذلك الاستثناء يفشل معظم الملوك والجبابرة، ولا ينجو منه إلا القليل الذي يدخل في حكم الاستثناء الذي يعضد القاعدة.

نقطة نظام! توحيد المفاهيم

وقبل ذلك، تدخل في نقطة نظام من جبال الهوكار، باحث في علم الأنطربولوجيا، ربط معه مهندس المنتدى الخط العنكبوتي المصور، فطلب من المشاركين في المجلس، أن يوحدوا المصطلحات لكي يتم الحوار عبر قاموس مشترك. واقترح أن يتم ذلك من خلال مصطلحات هندسة التغيير المجتمعي. لأن الهندسة مبنية على قوانين مضبوطة تتسامى عن اللغات والمذاهب والأهواء. وإن كان لابد من بعض التجاوزات المنهجية بسبب التكوين الأدبي للبعض، فلنتخير من مصطلحات قاموس علم الانطربولوجيا. وعلى المتخصصين في الفهم القرآني، أن يرصدوا كل التجاوزات التي تأتي عبر المذاهب الكلامية المتبعة للأغراض والأهواء، المنحرفة عن صواب الفطرة، أي الطبع والشرع. لماذا علم الأنطربولوجيا؟ لسبب واحد: هو أن طالبه هو بمثابة الذي اكتسب الضروري من جميع العلوم والمعارف البشرية بدون استثناء. ولربما اختزلت تلك المعارف الموسوعية ما اصطلحت عليه مجالسنا بقوانين الطبيعة وقوانين الشريعة.
فأجابه أحد شيوخ الربيع الأسلامي، كان من الحاضرين في منتدى الغرابة فقال: ربما لو تحقق هذا التفاهم لكفى الله المؤمنين شر الجدل العقيم، وفتح لهم باب العمل المثمر الذي يستخرج من القوانين العلمية ذلك العلم النافع الذي يسمى بلغة العصر "تكنولوجيا". والمسألة كانت حاضرة بكامل ثقلها في بداية نضال حركة "احتلوا وول ستريت". ونظرا لتقدم الفكر العلمي عند المثقفين هناك، كان نضالهم يمر عبر طرح هندسي، مختبري، يحرر الإرادات من استكبار الرفض. لأن القوانين العلمية،  لا يعارض دقتها وصرامة منهجها، إلا من سفَّـه نفسه ، وركب الهوى الذي يضل به الله أكثر المستكبرين.
لما رأى الفتى فبرايار مسير المجلس عموم المطالبة بتوحيد  المفاهيم وربطها بالوحدات التي يخضع لها الناس، رغم اختلاف ألسنتهم وأجناسهم، ذكرهم بما قيده رواية عن مداوي الكلوم الذي أشرف على تأطيره في مهمات مؤسسة الحزين. قال الفتى: وضح لي مداوي الكلوم أن كل مشروع يهدف لهندسة التغيير، تكون بدايته فعلا الاتفاق على المصطلحات والمفاهيم، وعلى وحدات الوزن   والقياس، ومعايير القيم، وبوصلة الوجهة وتحديد المواقع … والعمل التوحيدي سوف يكون معقدا شيئا ما، لأن الميزان سوف يكون مطلوبا في مجالين:
أولا: الميزان المادي الفيزيائي الخَـلْـقي: للتعامل مع قوانين الطبيعة والانتفاع التسخيري، التكنولوجي بها، فهو ميزان الوسائل؛
ثانيا: الميزان المعنوي الروحي الخُـلُـقي: للتعامل مع قوانين الشرائع المحددة للقيم والأخلاق، فهو ميزان الغايات الوجودية.
التعامل مع قوانين الطبيعة أمر ميسر، لأنه يقع داخل مجال العقل والعلوم الدقيقة.
أما التعامل مع معايير الأخلاق والقيم، فهذا يتجاوز مجال تخصص العقل والعلوم الكونية المضبوطة بالمنهج العلمي، وبالتالي سوف يختلف فيه الناس اختلافا عظيما. إلى الدرجة القصوى التي يطالب فيها كل واحد من البشر الاعتراف بميزانه الخاص للقيم، ومعياره الشخصي للخير والشر، والجميل والقبيح. والأمر هو كذلك، في إطار قانون التنوع الأحيائي والثقافي. بل هو عين حقوق الإنسان: حق كل واحد أن يكون له ميزانه الخاص، في إطار الحرية والكرامة والخصوصية التي شرف بها الإنسان.

وهنا لابد من الاستعانة بمعيار آخر لتنظيم العلاقة بين قوانين الطبع وقوانين الشرع. إنه ميزان المسؤولية والتكليف والمحاسبة. ولتوضيحه ربما استعنا بمثال بسيط : لما تعرف الإنسان على قانون الجاذبية ومعادلاتها، خضع له ولم يرفضه. ثم حكم به في تكنولوجيا الطيران، فحلق في السماء بالطائرة والمنطاد والصاروخ وغيرها من الوسائل التي سوف يعثر عليها عند الحاجة، والحاجة أم الاختراع. وقبل ذلك خضع للجاذبية غريزيا لِـما له ولكل الدواب الأخرى، من تصرف نابع من قانون طبيعي يسمى قانون الحفاظ على النفس، فهو المنفر من إلقاء النفس من الارتفاعات الشاهقة. قوانين الطبيعة لم تكن من وضع الإنسان، وما له من سبيل إلا أن يخضع لها، ويحترمها، ثم يستعملها بعد التعمق في معرفة معادلاتها الرياضية، لكي يستخرج منها تكنولوجيا نافعة. وأمريكا في زمننا هذا هي المستخلفة على التكنولوجيا، لمَّـا نشرتها لتنتفع بها البشرية جمعاء. وكان أوج الاستخلاف وصولها إلى القمر. فتوشك أن تحتكرها وتكتمها، تلبية لمصالح شركات النفط والحرب، فيكون ذلك بداية لاستخلاف الله شعوبا أخرى عليها، كالصين...
أما بالنسبة لموازين الشريعة الضابطة للقيم والمعاملات والأخلاق، فيربطها أهل التحقيق بعالم الأمر، وهو غير عالم الخَـلْـق، وهو عالم الغيب والروحانيات الخارجة عن مجال الضبط العقلي. الإنسان مخير في الإيمان به والخضوع لقوانينه كما يخضع للقوانين المادية. أو جحوده والتمرد على أوامره ونواهيه، لأنه حر في ذلك. لكنه في نفس الوقت مسؤول ومحاسب كما قلت عن حريته هذه. مسؤول عن ماذا بالضبط؟ إنه مسؤول عن التعرف علي قوانين الوحي المنزل على الرسل، والتي لم يطلها تزوير، "فلا يعذر أحد بجهل القانون"، ثم إنه مسؤول عن احترامها، ثم تطبيقها التسخيري الاستخلافي التكنولوجي كما فعل بالقوانين الطبيعية.
فإن اعترض وزعم أن له الحرية في اختراع موازين المعاملات غير موازين الشريعة، قلنا:  إن كان ذلك غير وارد في مجال قوانين الطبيعة، فمن باب أحرى وأولى أن لا يستقيم الاختراع في عالم ميزان القيم والمعاملات، لأن الموازين والمعايير سوف تتعدد إلى ما لانهاية. وكل واحد سوف يدافع عن ميزانه. والبشرية اليوم تعترض على ميزان الكيل بمكيالين، فما بالك إن جاء كل واحد بمكياله... وهو ما عبر عنه ربنا الحكيم العليم بقوله: لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ. [الأنبياء:22]. فتبين أن الفساد يأتي نتيجة تعدد موازين القسط ... وبهذه المعاني يتعمق فهمنا لقوله تعالي في سورة الرحمن : {{ وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ}} "سورة الرحمن: 7" ، فنبادر خاضعين مستسلمين، لا لوضع ميزان القيم واختراع شرعها، فهذا من اختصاص المشرع المطلق جل وعلا، وإنما نبادر للحكم بموازين القسط القرآنية التي تبينها الشريعة: لقوله تعالى {{ وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ}} "الرحمن : 9 ".
تلك معالم أساسية في طريق استحقاق الاستخلاف، لإقامة العدل الشمولي المحرر من العقيدة  اللاييكية المتمردة على الميزان المنزل على رسل الله. وما يعتبر دين اللاييكية في الحقيقة إلا مظهرا حديثا من مظاهر  تزوير الكتب المقدسة، التي آخرها القرآن الكريم.

فلما اتفق الحضور على هذه المنهجية العلمية للارتقاء بالحوار من دركات التكبر والجدل العقيم المعطل للعمل، إلى درجات تدبير تنوعات الطبيعة البشرية بوازع مؤلفات الشريعة، قال الفتى فبرايار: الآن ننتقل إلى صلب الموضوع لتدارس الأفكار المنتجة للقوانين المتحكمة في الاستخلاف الراشد، والتي جاءت بين سطور القصص الذي استمعنا إليها في الجلسات الماضية.



التأهل للاستخلاف ونظرية الاستقطاب الرباعي

ربط منتدى الغرابة الاتصال بطالبة في علوم المعادن النفيسة، قدمت نفسها من مدينة "أقا" في السوس الأقصى، فمهدت لحديثها بأذكار وأمداح من دلائل االخيرات، التي يعتبرها أهل تلك المنطقة أغلى من ذهب مناجم "أقا" وأنفس من كنوز دفائن الأرض الزيرية. قالت: لقد قيدت بعض تلك الشروط كما استنبطها من المجالس الماضية، فمنها ما يمكن اعتباره سنة من سنن الله الكونية، ومنها ما هو من قبيل قوانينه الشرعية، ومنها ما هو من قبيل قوانينه القدرية. فمن قدر الله أن تمتحن الأمم في كل قرن بفعل نظرية الاستقطاب الرباعي. مفاد النظرية، أن في كل قرن يبرز الله سبحانه وتعالى إلى الوجود أربعة زعماء يستقطبون خلقا كثيرا:
· رجلا على قدم المسيح الدجال، يعيث في الأرض فسادا، ويتولاه كل مستكبر جبار وكل منبهر بزخرف الحياة الدنيا وزينتها؛
· رجلا على قدم الإمام المهدي، يجدد الدين، ويصلح ما أفسده ممثل الدجال؛
· رجلا على قدم المسيح عيسى بن مريم عليه وعلى نبينا السلام، حجة على أهل الصليب  كما سوف يكون عند نزوله في آخر الزمان مصداقا لقوله عز وجل في قرآنه الكريم : {{ وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا }} “سورة النساء:   159 “.
· رجلا على قلب ياجوج وماجوج، وهو القدر المنبعث من غضب الله يسلطه على من يشاء.
حتى إذا درجوا، يظهر الله لهم ورثة يتبعون نهجهم في كل قرن، إلى أن يكون ختمهم الإمام المهدي والمسيح الدجال الأعور والمسيح عيسى بن مريم عليه السلام، وياجوج وماجوج الخارجون زمن ظهور ختم الأئمة المهديين. وهذا من علامات الساعة الذي تفصلنا عنها أحقابا لا يعلمها إلا الله، لأنها من غيبه المطلق… ربما تكون غدا... ربما بعد آلاف السنين، ويوم عند ربك كألف سنة مما تعدون، أو كان مقداره خمسين ألف سنة، نراه بعيدا ويراه الله قريبا.

وهنا تناول مكبر الصوت رجل من شيوخ المنتدى، فتوجه بخطابه عبر الشاشة إلى بنت سوس العالمة فقال لها: اسمحي لي يا بنتي أن أتمم منظورك لتوقيت الساعة بملاحظة أولى ثم أولى لشيخ مثلي أن يعظ  بها نفسه، ويستنهض حاله الذي  قال عنه الشاعر:
فإن أمارتي بالسوءِ ما أتعظت {{}} من جهلها بنذير الشيب والهرم.
في الواقع توقيت الساعة قريب جدا من كل إنسان خاصة إن كان شيخا مثلي. ذلك أن كل إنسان تقوم قيامته عند موته... وفي الغالب لا يتعدى أجله ذلك القرن الذي يمهله لاختيار الجهة التي تستهويه، فتستقطبه ليناضل من أجلها فيحشر معها، والمرء على دين خليله، ويحشر مع من أحبه في الدنيا. وأنت الآن تشرحين تفاصيل ذلك الاستقطاب، بالفهم  المعروف عند نساء سوس العالمات، كثر الله من أمثالهن. أتمي عرضك الممتاز سدد الله خطواتك  ووفقك لكل صواب.
فلما رجعت صورة الفتاة إلى الشاشة شكرت الشيخ على حسن الثناء، ثم استأنفت مساهمتها في الحوار فقالت:  دجاجلة كل زمان، كان منهم ابن صياد، الذي تعرفون قصته مع النبي صلى الله عليه وسلم وعلى آله. وكان أمر ابن صياد معطلا فسخته أنوار النبوة. ثم كان من صنف الدجالين يزيد بن معاوية لعنة الله عليه. إلى أن يكون ختمهم الدجال الأعور. ومنهم دجالو القرون الحديثة: دجال القرن العشرين حاييم وايزمان زعيم الحركة الصهيونية الذي أمضى اتفاقية تسليم المسجد الأقصى مع النواصب. وقد سلط الله على قومه قدر ياجوج وماجوج المتمثل في أبناء يافث التوتونيين بزعامة هتلر. وسلط على الأعراب النواصب، رفع البركات عنهم لما فرطوا في الأرض التي بارك الله حولها... فلم تنفعهم ثروات الأمة من النفط وذهب الفرات، إلا في التطاول المذموم في البنيان. ذلك استخفافا منهم لذم الرسول { الْحُفَاةَ الْعُرَاةَ الْعَالَةَ رِعَاءَ الشَّاءِ يَتَطَاوَلُونَ فِي الْبُنْيَانِ}. صروح هامانية  بنيت على شفا جرف هار، فانهارت في أول أيام الحرب النووية التي أشعلوها مع حلفائهم أبناء العم اسحاق على أهل القبلة من المسلمين العجم...  

وقبل المضي في ذكر السنن المتكررة الأخرى، طلب إمام من تنبوكتو الكلمة فربط به الاتصال عبر الأقمار الصناعية. قال: يظهر جليا أن التمكين الدنيوي ليس معيارا للصلاح. التمكين ما هو إلا امتحان في الحياة الدنيا يمنحه الله للزعماء لكي يختبروا في إقامة العدل، وفي تدبير العمران الأخوي المنتج، لا المجتمع المستهلك لمنتوجات الغير، وفي بناء التحالفات النافعة للأمة، لا الحامية للعروش المستبدة. فالتمكين يكون ظلمانيا في حق الدجال ومن سار على نهجه ومن تحالف معه. ويكون رحمانيا في حق المهدي ومن كان على سيرته في إقامة العدل الذي يرضى عنه ساكن الأرض وساكن السماء. ذلك من تجليات وعد الله لإبراهيم: {{ ...قال إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ }} "البقرة 124 ". وهنا كلمة "الناس" تعني أن الإمامة المعنية تعم جميع العالم، وتكون في نسل إبراهيم.
فكان هذا التوضيح نموذجا لاستخراج نفائس القرآن الصالحة لكل مكان ولكل زمان، تسهل لنا مهمة البحث عن الدجالين لنحذرهم. وترشدنا لتحديد المهديين لنحبهم ونواليهم في الله.
وتفسيرات السنة لما قلنا كثيرة في متون الأحاديث الموثوقة. مثال منه تفسير المفسرين للأية التي تذكر {{ ( بقية الله خير لكم إن كنتم مؤمنين وما أنا عليكم بحفيظ }} "هود: 86 ". بقية الله هو كل إمام لا يخسر الميزان أي يحكم بمقتضى قوانين الطبيعة وقوانين الشريعة. ويمكن تسميته اصطلاحا حجة الله، لمن يفضل مصطلح علي كرم الله وجهه، أو الفقيه المجدد، حسب مصطلح بعض الفقهاء المنتسبين للسنة. وغالبا ما يكون فقه هؤلاء  ضعيفا في سنن الله الطبيعية، فلذلك جردوا إمامهم من التمكين التكنولوجي، ففرقوا بين السلطان أي الطبيعة، والقرآن أي الشريعة. بل اجتهد بعضهم اجتهادا في غاية الخطورة لما جعلوا السلطان في يد أعداء الشريعة.
كما يمكن تأويل " بقية الله" خليفة المهدي، كما تسميه الشيعة. والتسمية تتماشى مع معتقدهم الذي يفيد أن المهدي ظهر ثم غاب، ولم يكفرهم أحد من فقهاء المذاهب على ذلك المعتقد، وخاصة الشافعية والمالكية والحنفية. فقط مذاهب النصب هي التي تغالت في تكفيرهم، فكان ذلك سبب الحرب النووية التي عصفت بهم وبأوليائهم في سفك الدماء، وفي ضياع ثروات الآمة من النفط والذهب كما ضيعتها مدين. فكانوا أحق بالتدمير بالصيحة من قوم صالح. والصيحة الجديدة هي عبارة عن الذبذبات الصادرة عن القنابل  الصوتية والأشعاعية واللازيرية.

تحذير! تحذير! عاصفة مشوشة عبر الأثير!

ومما لاشك فيه أن زمرة من المتتبعين لمنتدى الغرابة كانوا من الهاكرس المناصرين للمسيح الدجال. والدليل كان استيلاؤهم على كل الشاشات المتتبعة للمنتدى عبر العالم، وعلى شاشة عرض المقر في مدينة "إمهواش"، فبثوا فيها هنيهة مقاطع من شعر عمر الخيام الفارسي، تؤديه موسيقيا كوكب الشرق أم كلثوم.
سمــعت صـوتا هاتــفا فى السحـــر
نادى من الغــــيب غفاة البشر
هبوا املأوا كــأس المــــنى قبل أن
تملأ كأس العـــمر كف القدر
لا تشـــغل الـــــبال بماضى الزمان
ولا بـــــآت العيش قبل الأوان
وغرضهم إثارة ظاهرة التنويم المغناطيسي عند العرب بذلك السماع الذي سحرهم برهة من الدهر. كان ذلك مثل الذي حدث في حرب 1967 أو حرب الستة أيام. سحرت أهازيج "الحاجة الحمداوية" المغاربة الذين قاتلوا الصهاينة في مدينة القنيطرة السورية، لا القنيطرة المغربية، التي منها خطط للغدر الأوفقيري فافهم!. لقد بثوا لهم عبر مكبرات الصوت تلك الأغاني الشعبية الساذجة فترتب عن ذلك،  ظاهرة التنويم المغناطيسي فسلموا لهم هضبة الجولان! والله أعلم!.
  
رد العدوان... بحكمة القرآن!

وكم كانت دهشة متتبعي أحاديث نادي الغرابة لما تضببت شاشات العروض عبر الأثير التسلوي " نسبة إلى تسلا"، فانمحى بث الهاكرس المفسدين، واستولت عليها موجات بث روح مداوي الكلوم، تلبس طيف نبي الله شعيب عليه السلام،  فقال لمتتبعي منتدى الغرابة: احذروا فعل ذبذبات النغمات في موسيقى المغنية الحامية أم كلثوم. واسمعوا وعوا ما جاء في حكمة الشاعر الفارسي عمر الخيام رحم الله الجميع. هبوا لدفع القدر بالقدر... ويل للعرب من شر قد اقترب... إن لم يعوا كلاما كنت قلته في تفسير " بقية الله" . { إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ } : ليس لي من المقاصد إلا أن تصلح أحوالكم، وتستقيم منافعكم، وليس لي من المقاصد الخاصة لي وحدي، شيء.
ولما كان هذا فيه نوع من الأستاذية وتزكية للنفس، دفع هذا بقوله: { وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ } أي: وما يحصل لي من التوفيق لفعل الخير، والانفكاك عن الشر إلا بالله تعالى، لا بحولي ولا بقوتي. } عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ } أي: اعتمدت في أموري، ووثقت في كفايته، { وَإِلَيْهِ أُنِيبُ } في أداء ما أمرني به من أنواع العبادات، وفي التقرب إليه بسائر أفعال الخيرات.
إلى أن قال مداوي الكلوم مختصرا تدخله لمعارضة الهاكرس المشاغبين: ليت نصحي للعرب ينفعهم في سفرتي هذه عبر الزمان في المستقبل، ورجوعي بهم إلى الوراء كما كنت قد رجعت بهم في قصة ماضية لأريهم ما فعل التتر بسكان بغداد... وأزيدهم في الموعظة فأقول : { وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا } بإهلاك قوم شعيب، { نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ } لا تسمع لهم صوتا، ولا ترى منهم حركة. { كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا } أي: كأنهم ما أقاموا في ديارهم، ولا تنعموا فيها حين أتاهم العذاب. { أَلَا بُعْدًا لِمَدْيَنَ } إذ أهلكها الله وأخزاها { كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ } أي: قد اشتركت هاتان القبيلتان في السحق والبعد والهلاك.
وشعيب عليه السلام كان يسمى خطيب الأنبياء، لحسن مراجعته لقومه، وفي قصته من الفوائد والعبر، ما كان بالإمكان توظيفه لتجنيب أمراء النفط كارثة الصاعقة النووية التي لحقتهم بالتمادي في خسران ميزان الطبيعة والشريعة كما حددناه من قبل. 

بقية أسس النظرية

كم كان ترحيب الحاضرين بمداخلة طلبها أحد أقارب البوعزيزي من سيدي بوزيد جنوب تونس الخضراء. صفقوا له قبل الكلام، فشكر لهم الاحتفاء بالمرحوم البوعزيزي عبر شخصه، ثم قال: ربما من القوانين الأخرى التي ذكرت في الجلسات الماضية قانون المن على المستضعفين...
فكان أجدر أن يظهر التذكير بهذه السنة الثابتة من لدن أقرباء البوعزيزي، فهم أحق بها وأهلها. ظهرت إرادة الله في حقهم بالتمكين للمستضعفين و بالخذلان للجبابرة المستكبرين. مصداقا لقوله تعالى: {{  وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ  وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ}} " الإسراء: 5؛6 "

من أسوان في مصرطلب الكلمة شاب قبطي من النصارى الذين يعترفون برسالة النبي محمد، مجده النور الهادي مع من مجد بقوله عز وجل: {{... وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ }} " المائدة: 83 ". قال الفتى الأسواني سليل أعرق حضارة حامية في الأرض: أريد أن أذكرالحضور الكريم بالقانون الأعم الذي يظهر عدل الله في تقسيم فتوحاته على خلقه. إنها سنة تداول الناس على الحكم كما قررتها الآية 140 من سورة آل عمران: {{ ... وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ...الآية }}. فشكره الفتى فبرايار وقال له أنت الآن تعطينا الدليل في التمكين  للفرقة النصرانية التي هي على قدم المسيح عيسى عليه السلام، الظاهر في آخر الزمان. 

نمذجة رياضية

ربط الاتصال عبر الأقمار الصناعية مع عالم مغربي تخصصه في علم الإحصاء والنمذجة الرياضية، فنور المجلس بعلم ثمين من العلوم العقلية والطبيعية، لا يرتقي إلى  مستوى فهمه إلا الراسخون في العلم الطبيعي الذين مدحهم رسول الله في قوله صلى الله عليه وسلم " أنتم أدرى بأمور دنياكم "، ومنهم علماء الثريا. قال : حاولت " نمذجة " تلك القوانين الاستخلافية وكذلك تلك الفرضيات التي انطلقت منها نظرية الاستقطاب المربع، فكانت بداية أرجوا أن تكون مباركة. ولن يستكمل بنيانها إلا بمساهمة جماعية من لدن المهتمين والمتتبعين لمجالسنا. ذلك من أجل تدقيق النموذج، وتطويره ليلائم كافة الظروف، عن طريق تقليل الافتراضات التبسيطية، وتحسين العلاقات ضمن النموذج. وعمليا سوف أبعث لمسير المجلس معلومات عن النموذج، واستمارة للمهتمين والمختصين الذين يرغبون في المشاركة في تدقيق النموذج. ولهم الشكر مسبقا. فلم يفوت شباب المنتدى فرصة الثناء والشكر الجزيل لهذا العالم المتواضع ومن تواضع لله رفعه. 

النظرية وعلم الأنطروبولوجيا السيرولوجية

ثم تناولت الكلمة باحثة في علوم المحركات الكهرومغناطيسية المتحركة بطاقة الهباء العلوي، نسبة لعلي كرم الله وجهه، الذي كان أول من تكلم عنه، استقرت مؤقتا في مؤسسة ابن السبيل، فذكرت كلاما من قصة " تغريبة في بلاد الصخور الصفراء والعين الحامية"، قال فيها مداوي الكلوم: ويقرأ القارئ  قوله تعالى: {{ وتلك الأيام نداولها بين الناس}} فلا يسأل نفسه ومن هم هؤلاء الناس؟ وهل قصص القرآن ذكره ربنا في القرآن المجيد عبثا، ليستمع إليه الناس كما يستمعون للقاص في ساحة جامع الفناء...
بعد استئذان المتحدثة في نقطة نظام، قال متدرب في معامل المؤسسة: ساحة جامع الفناء ساحة معروفة في مراكش، عاصمة دولة المرابطين الأمازيغ الذين أخروا انهزام المسلمين الاسبان أمام الزحف الصليبي أربعة قرون... مجرد تذكير بالتداول المحمود على حمل أمانة الرسالة... أكملي حديثك مشكورة...
استمرت الأخت في سردها: قالت: يستمعون إذن للقاص هناك، ثم ينفض الجمع دون أي اعتبار؟ من له فهم في الكتاب، وفي علم الأنساب، يعلم علم اليقين أن المقصود من كلمة "الناس"، هم أبناء نوح عليه السلام وهو أبو البشر الثاني.
وربط الخط العنكبوتي بمجموعة من النساء العاملات في محطة تلفزية تبث من معامل سيارات "بانتون" المتطورة في مدينة كلميمة، فقالت إحداهن: لما سمعنا بداية تأويل آية التداول المحمود، شحذ فضولنا المعرفي  فأجرينا بحثا في الشبكة العنكبوتية في علم الأنساب، وفلسفات الانطربولوجيا، وعلومها الدقيقة... فاكتشفنا ذلك العلم الضروري الذي يفرق بين العصبية المحمودة والعصبية المذمومة. واكتشفنا قبلها حكمة الله في اختلاف ألوان البشر، واختلاف لغاتهم وطبائعهم. وماهي السمات الغالبة عند كل شعب وقبيلة وأمة... واكتشفنا أمورا غريبة في مسألة تطور البشرية عبر الدهور والأحقاب الجيولوجية... يضيق وقت مجالسنا لذكرها... ونحن نعلم أن مجالسنا لا يتسع وقتها لذكر أكثر من هذه الإشارات فافهموا يا شباب ثقافة السطوع.
فتدخل مهندس سوسيولوجي من الحضور فقال: ربما كلمة جامعة ينبغي ذكرها لدفع تهم العصبية والعنصرية عن مجالسنا. التنوع العرقي في الخلق هو من بدائع صنع البارئ المصور سبحانه في الطبيعة. وكل نوع خصه الحكيم المبدع بخصائص مختلفة. ولم يبدع نوعا من خلقه عبثا، وليس في الإمكان أبدع مما كان، ما ترى في خلق الله من تفاوت. وإن ابتغى المتأمل في هذا التنوع الحكمة، رجع إلى الأصول الجامعة. فالأب الأول للبشرية المكلفة آدم عليه السلام. ثم أبوها الثاني نوح عليه السلام. وقبل آدم كان هناك بشر يسكنون الأرض، ويسفكون الدماء، ويطلبون الخلود، لكنهم لم تظهر فيهم نبوة ولا تشريع ولا تكليف. فلربما انقرض نسلهم أو لقحوا بالنسب الآدمي فغلب عليهم عرقه أي مورثاته أو جينومه بلغة العصر العلمية. وتكرر نفس الأمر مع ذرية نوح عليه السلام. فلربما لا زال هناك قبائل من أبناء آدم لم يبلغهم تلقيح نسل أبناء نوح، والله أعلم. ربما منهم تلك الشعوب الوثنية التي تتبع سحر الشامان في لابونيا واستراليا والأمزون وغينيا الجديدة. وأبناء نوح الذين آمنوا برسالته هم المعنيون بتداول الآيام. وولده الرابع الذي لم يصدق رسالته مات في الطوفان. وهو يكمل عناصر التربيع، من روحانيات الأوتاد الأربعة، وأركان البيت المعمور، ورموزه المطوية في حجر الكعبة المشرفة التي جعلها الله قبلة الربيع الإسلامي. فافهموا!
وطلب التدخل في الحوار عالم متخصص في أنطروبولوجيا فصائل الدم، من الفلسطينيين الكنعانيين من أبناء حام، ذوي البشرة البيضاء فقال: وقع الاتفاق بين النسابين والمؤرخين أن الامم الموجودة بعد نوح عليه السلام جميعهم من بنيه دون من كان معه في السفينة، وعليه يحمل قوله تعالى: {{ذرية من حملنا مع نوح}} " الإسراء: 3". وأما من عدا بنيه ممن كان معه في السفينة فقد روي  أنهم كانوا ثمانين رجلا وأنهم هلكوا عن آخرهم ولم يعقبوا.
ثم اتفقوا أن جميع النسل من بنيه الثلاثة: يافث وهو أكبرهم، وسام هو أوسطهم، وحام وهو أصغرهم".
ثم ساق قول أحد المفسرين القدامى: عن ابن عبد البر بالإسناد إلى ابن المسيب أنه قال: "ولد نوح ساما ويافثا وحاما وولد كل واحد من هؤلاء الثلاثة ثلاثة، فولد سام العرب وفارس والروم، وولد يافث الترك والصقالبة ويأجوج ومأجوج، وولد حام القبط والسودان والبربر." ولا أدري لم أسقط ذكر نسب اليهود، فيحين أنهم استحوذوا على النسب السامي، واستغلوه سلاحا مشهورا في وجه كل متهم بمعاداة السامية.
والروم: قيل إن فرقة منهم من ذرية يافث، وأخرى من أبناء إسحاق بن أبراهيم، فهم من نسل سام.
والفرس: قال ابن إسحاق: من ولد فارس بن لاود بن سام، وقال ابن الكلبي: من ولد فارس بن طبراش بن آشور بن سام، وقيل: من ولد طبراش بن همدان بن يافث. والله أعلم. وكل أبحاثي التي أجريتها في مجال التوزيع الجغرافي لفصائل الدم تثبت علم الأنساب كما وضعه النسابة المسلمون كابن خلدون وغيره.
وتدخلت طالبة في علوم الهرمونات من جبال الأوراس في المغرب الأوسط وذكرت بعض الخصائص التي تكون غالبة في تلك الأجناس. قالت: نسل يافث سكنوا القفار الباردة. فلربما كان ذلك سببا في اكتساب المهارات التكنولوجية وإتقان الصناعات لتفادي خطر البرودة القاتلة. منهم من شرق إلى سيبيريا والصين، ومنهم من غرب إلى لابونيا شمال النرويج ثم اتبع سبل الفايكينك واكتسح بلاد الروس وأوروبا الغربية... مرة في كل قرن، يوحي إليهم ربهم كما يوحي إلى الجراد، ربما عن طريق تحول في الافرازات الهرمونية، فتتألف قلوبهم على طاعة واحد منهم، يأمرهم باجتياح مجالات واسعة خارج مواطنهم. ذلك ربما من أجل تحقيق إرادة ربانية وقدر عدل، قضى بتأديب شعب من الشعوب زاغ عن طريق الصلاح. ولقد اجتاحوا مرات متعددة أوروبا وكان منهم "الهان" و"الفندال" الذين وصلو اسبانيا وحتى جبال الريف في المغرب الأقصى.
ولربما تكررت تلك الظاهرة التأديبية الخاصة بأبناء يافث في القرن العشرين بزعامة هتلر. يمتاز اجتياحهم خارج مجالهم الطبيعي بالهمجية في أقصى مظاهرها، كما وقع في فاجعة غزوهم لعاصمة الدولة العباسية بغداد بقيادة هولاكو. وأتخيل أن هيتلر العنصري تحرك في قبره ـ إن كان له قبرـ  لما سمع أنه يحمل جينات مشتركة مع "أتيلا" ياجوج وماجوج. فليذهب إلى السعير إن كان جاهلا بتلك الحقائق وإن لم يرض بها فجينومه يشبه بنسبة 99 في المائة جينوم القرد! والإنسان المستكبر الذي لا يعترف بربه هو تارة أبخس من القرد وتارة أذل من الكلب وتارة أسفه من الحمار الذي يحمل أسفارا.    
أما ذرية حام فلقد انتشر نسلهم، أو لقحوا شعوبا في الأقاليم الحارة. فكانوا أكثر أولاد نوح اختلافا في دكانة جلودهم. فهي متفتحة في الشمال وفي الجبال الباردة. وهي داكنة سمراء بالميلانين، بحكم فعل الهرمونات. ذلك لدفع الحرارة عن طريق العرق... ويمتاز استخلافهم بطول مدة التمكين لدولتهم، كما يصفه لنا تاريخ الفراعنة وتاريخ الهند.
أما ذرية سام فهم أقل عددا من ذرية أبناء يافث وأبناء حام. أتاهم الله وهب النبوة والتشريع. ثم انتهت مدته. لكن استمرحكمه القرآني ساريا فيمن ينبري لإقامته من العجم. لقوله تعالى : {{أُولئِكَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ }} (آل عمران: 89).
وتعجب المتتبعون لمنتدى الغرابة من الحكمة والفهم في كتاب الله الذي وهبه الله لهذه الباحثة الجزائرية. فلربما كان ذلك مفتاحا للتنافس المحمود لنشر العلم النافع، جعل أستاذا في علم الأصول من قسنطينة ينبري لإثراء النقاش في موضوع الإمامة، فقال: نعم لقد استجاب الله دعوة ابراهيم فجعل في ذريته الإمامة. ذلك ما نفهمه من قوله تعالى: {{ وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ }} "البقرة:124". فهم ائمة الهدى إن حكموا بقوانين الشريعة والفطرة التي هي الطبيعة، وأقاموا سنة أنبيائه التي اكتمل بنيانها بالرسالة الخاتمة. ومنهم أئمة الضلال، إن ابتعدوا عن شريعة الرسل تحريفا وتزويرا، كما فعل عصاة بني إسرائيل، أو تعطيلا متدرجا، كما فعل العرب بعد مدة الخلافة الراشدة. وابتعادهم عن الحكم بما أنزل الله، يعطي فرصة للعجم للتداول على الحكم، فيتم امتحانهم بدورهم في حمل أمانة إقامة العدل. ذلك تفسير قوله تعالى: {{ وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }}. " الجمعة:3 ".


***
*


أخذ مسير المجلس وقت استراحة عرض فيه مدير مؤسسة ابن السبيل شريطا صامتا يصور بعض المنجزات التكنولوجية الدقيقة، طورتها معامل المؤسسة في مجال الروبوطات السارية والعارجة والحائمة والعائمة والغائصة. وكان آخرها مركبة فردية سموها "المدراج" يحمل على الظهر ويتم بواسطته الطيران السلس والتنقل الآمن.
فنالت إعجاب المتتبعين في سائر النوادي المتتبعة لمجالس نادي الغرابة التي انتشرت في المجال الطبيعي الحامي. وقد انضم إليها أخيرا في إطار شراكات مفيدة نوادي حامية من الولايات المتحدة الأمريكية ومن البرازيل ومن الهند ومن جنوب إفريقيا.
وتلك قصص أخرى ربما ذكرت في مجالس مقبلة إن شاء الله.
فلما انتهى العرض العجيب، استأذن الفتى فبرايار في استئناف مناقشة المواضيع التي قيدها جدول الأعمال. قال الفتى: الآن وصلنا إلى أخطر فقرة في برنامج تحاورنا حول موضوع التمكين والاستخلاف والتداول. ألا وهي مسألة العصبية.

العصبية المذمومة والعصبية المحمودة

فطلب فبرايار من مقدم شيوخ المنتدى بتوضيح تلك المسألة، لتوحيد الرأي حولها، وللرقي بها للاستفادة من  محامدها ولتجنب مساوئها.
قال مقدم شيوخ المنتدى: من خلال تجاربي الماضية، أستطيع أن أجزم أن المسألة العصبية وضعت لمعالجتها في أياد معادية للمسلمين، فكانت وقودا للحرب النووية التي أشعلها عصاة بني إسرائيل على الشعوب المسلمة... تلك الحروب كانت في بداية ربيعهم،  ربما سوف نتحدث عنها، في مجالس قادمة إن قدر الله. وكنت قبل تلك الحروب من دعاة رد المظالم التي اقترفتها دولة العرب في حق العجم. ودام ذلك الظلم بعد الانكسار الأموي واتصل عبر قرون انتشار العرب خارج موطنهم الأصلي. فكنت دائما أقابل بتوجس الحائر، أو بمكر المختلس. تارة يقال لي: دعها فإنها منتنة. تارة ينصحني محاوري بإغماض العين، مخافة إفاقة الجمل الراقد. والغريب في الأمر أن الجلاد والضحية اتفقتا على السبل الخاطئة لمعالجة المسألة. الجلاد طمعا في استدامة استرزاقه واستيلائه على ثروات الأمة، ظلما وعدوانا. والضحية في تفريطها في السبل الشرعية للمطالبة برد المظالم. وأغرب من ذلك اتفاق الفريقين لرد المسألة إلى تحكيم الطاغوت العلماني التلمودي، عوض ردها إلى الله ورسوله. فلا غرو أن تفضي تلك الأخطاء الفادحة إلى الحروب الطائفية والمذهبية... أولا في الإعلام والشبكة العنكبوتية، يديرها بمهارة فائقة، خبراء البروباكندا  وتحريف الكلم عن مواضعه، والاستعلامات المخترقة للشعوب، ينتهزون غباء أو عمالة دولة الأعراب الهجينة. ولكم أن تتخيلوا "العصيدة الفكرية" التي احتلت الشبكة العنكبوتية، قبل أن تتحول إلى زوبعة مذهبية تكفيرية، فلم تنقصها سوى شرارة لإشعال الحرب النووية. وهي الحرب التي  نضمد الآن جراحها بعد صولة الحق على الباطل، لأن الباطل كان في سابق تقدير الله زهوقا.
نعم رجع الناس إلى الصواب في معالجة المسألة ولكن قبل فوات الأوان.
أخطار العرقية والعصبية والطائفية والمذهبية إذن لا تنقطع. لذا ينبغي التذكير بالطريق الشرعية لمعالجتها، عوض اعتبارها من المسكوت عنها علنا، المتآمر عبرها  باطنا، المتربص بنا خطرها واقعا.
نعم أحبتي في الله، العصبية المنتنة حرمها الشرع. والمراد من العصبية المحرمة أن يعين الرجل قومه على الإثم والعدوان، ويغضب لهم ويدافع عنهم وإن كانوا على باطل. جزاؤها أن يبعث المتعصّب يوم القيامة مع أعراب الجاهلية.
عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أنصر أخاك ظالماً أو مظلوماً " فقال رجلٌ: يا رسول الله أنصره إذا كان مظلوماً أرأيت إن كان ظالماً كيف أنصره ؟ قال : تحجره أو تمنعه من الظلم فأن ذلك نصره " رواه البخاري.
وعن الإمام زين العابدين رضي الله عنه، بعد أن سئل عن العصبيّة قال: "العصبيّة التي يأثم عليها صاحبها، أن يرى الرجل شرار قومه خيراً من خيار قوم آخرين، وليس من العصبيّة أن يحب الرجل قومه، ولكن من العصبيّة أن يعين قومه على الظلم".
الاختلاف والتنوع طبيعي. والائتلاف والتعاون تشريعي. والاستقطاب إن لم يعالج بوازع الشرع تغلبت عليه أحكام الطبع. ذلك من تطبيقات نظريتنا التي سوف نتحدث عنها في مجالس مقبلة إن شاء الله. فلا تعجبوا إن رأيتم تركيا تتكتل مع الناتو، فهم كلهم يسري فيهم جينوم نسل يافث. تكتل الأعراب مع يهود، من نفس فعل الطبيعة. ولكم أن تستنبطوا المجهول من المعلوم في نظرية الاستقطاب لكي تعثروا على ما تتوقعه النظرية من تحالف أبناء حام في حوض المسيسيبي وفي حوض النيل، ثم في افريقيا وأمريكا عامة. لكن الاستخلاف الراشد يطلب أكثر من هذه الاستقطاب الطبيعي.

تأويل أحاديث نادي الغرابة

واستمر مقدم شيوخ المنتدى بعد استئذان المسير في كلامه قائلا: كأنني أستمع إلى روح مداوي الكلوم  يخاطبكم. قال معلمنا الأول في مؤسسة الحزين: حرثنا وزرعنا بذورا في بداية الربيع الإسلامي، على أمل بزوغ عهد منتج لثقافة التمكين للإنسان الراشد، وللأمة المقيمة للعدل الشمولي كما حددنا مفهومه. والزراع يتوكلون على الله بعد اتخاذ الأسباب المشروعة.
منها سبب الحذر من الحرث في الأرض المغصوبة شرعا، والعقيمة طبيعيا. ومنها سبب دعاء الحرث والزرع، من سورة الواقعة، كما روي عن الإمام الصادق رضي الله عنه، قال: إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَزْرَعَ زَرْعاً، فَخُذْ قَبْضَةً مِنَ الْبَذْرِ، وَاسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ وَقُلْ: {{ أَفَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ}}، ثَلاثَ مَرَّاتٍ. ثُمَّ تَقُولُ: بَلِ اللهُ الزَّارِعُ ـ ثَلاثَ مَرَّاتٍ ـ ثُمَّ قُلِ: اللهُمَّ اجْعَلْهُ حَبّاً مُبَارَكاً، وَارْزُقْنَا فِيهِ السَّلامَةَ، ثُمَّ انْثُرِ الْقَبْضَةَ الَّتِي فِي يَدِكَ فِي الْقَرَاحِ "أي الارض". ومنها سبب احترام قوانين الطبيعة  بتعميق الحرث واستوداع  البذور المنتقاة رحم الأرض المخصبة وغير ذلك. ثم سبب حماية البذور من الغربان الصغار الذين يجتمعون من أجل إتلافها. يقتفون بذلك أثر الدجالين الكبار. لأن ليس لهم قدم راسخ في قوانين الطبيعة فيطمعوا في حصاد، أو تنمية عادلة مستدامة. وليس لهم فهم في قوانين الشريعة لكي يقيموا موازين القسط في أحكام الأرض وثرواتها. ولا سعة أفق لهم للجمع بين تلك القوانين التي تتحكم في الخلق بدءا بذراته، وانتهاءا بالإنسان الراشد، ومرورا بالجماد والنبات والحيوان والإنسان المادي الدوابي. ثم خيرنا الخبير الحكيم لسقاية زرعنا من مياه أعظم الأنهار: نهر النيل ونهر المسيسيبي. استبشارا بالفأل الحسن، بالدولة الحامية التي قامت في حوض الميسيسيبي، وهبها الله سر الوسائل الطبيعية. وبأخرى في حوض النيل، لها عزم في تكريم البشرية بقوانين شريعة الأنبياء، في أوثق نسخة لها أنزلت على خاتم الرسل عليه الصلاة والسلام وعلى آله.
 فكانت النتيجة كما ترون في أيامنا هذه من العام 2056: صدقت نظريتنا في توقعاتها، ورؤيتنا في فراستها، والحمد لله. وليس ذلك كهانة بل تخطيطا يستعين بقوانين الاستخلاف. والجلسات المقبلة إن شاء الله، سوف نناقش فيها تلك التطبيقات الميدانية التي أنتجت لنا الدولة القائمة بالقسط، أقامها حجة الله مهدي القرن، وجمعت له خيرات الطبيعة وخيرات الشريعة. اللهم ارزقنا توكل الزراع الذاكرين الله ذكرا كثيرا، الذين مننت عليهم بفتوحات بركات... {{ ... وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا}} " الطلاق: 3 ". 

خاتمة



تلكم كلمات تسبح بحمد ملهمها، الله أعلم هل ستبلغ مناها، من أجل بعث ثقافة التميز والمناعة الحامية، تحفظ من التلاشي في عالم الفساد والعدمية، وتتطلع بواسطة التوريات الدونكيشوطية، معززة بالوسائل الطبيعية، والضوابط الشرعية، إلى النهوض بتلك القرى الهامشية، فاتها ركب الحضارة البشرية، لترفعها من حضيض النكران واللاشيئية، إلى مستوى الاستخلاف والكرامة الآدمية، فيالها من مهمة انتحارية... اتبع تأليفها منهج {{فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}} " الأعراف 176"كانت منها مجالس القصة الغريبة التي تمزج بين عوالم الشهادة والخيال والغيب والبرازخ التي بينها فسبح التأمل  بجناحي الفكر والذكر لما تحرر من نواقض الإبداع ومن كبت الرقابة الذاتية .
وكانت منها مجالس التفكر من أجل استخلاص العبر وصياغة العلم الذي ينفع. ولا يتم تركيب النظر النافع، إلا بعد تحليل وتركيب الواقع. فتتطارح قوى العوالم الظالمة فيما بينها، كما تتطارح الأرقام المعقدة ويسقط وجودها الافتراضي. وتطوى أبعادها كطي السجل للكتاب. فلا يبقى سوى بقية الله، المتمثلة في الكون الذي رجح برجحان رحمة الله على غضبه وتنكيله بالجبابرة. فذلك العدل في الميزان، الذي قامت به الأكوان، وامتحن به الانسان.



وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

حرر بتاريخ 7 دجنبر 2012
مينيابوليس ـ الولايات المتحدة
محمد المهدي الحسني

ظهر غلاف الكتاب










... مجلس من مجالس منتدى الغرابة، من أجل التفكر  في استخلاص العبر وصياغة العلم الذي ينفع. ولا يتم تركيب النظر النافع، إلا بعد تحليل وتركيب الواقع. فتتطارح قوى العوالم الظالمة فيما بينها، كما تتطارح الأرقام المعقدة ويسقط وجودها الافتراضي. وتطوى أبعادها كطي السجل للكتاب. فلا يبقى سوى بقية الله، المتمثلة في الكون الذي رجح برجحان رحمة الله على غضبه وتنكيله بالجبابرة. فذلك العدل في الميزان، الذي قامت به الأكوان، وامتحن به الانسان...
 

صورمن أعالي نهر الميسيسيبي
في مينيابوليس ولاية مينيسوتا



مدونة نضال ضد الفساد
تاريخ النشر : 7 دجنبر 2012

تأليف محمد المهدي الحسني
مينيابوليس ـ الولايات المتحدة الأمريكية



  


ليست هناك تعليقات: