غلاف بداية الكتاب
قصة
الفتى فبرايار
وطلاسيم الغرقد
حكايات من نسج الخيال
محمد
المهدي الحسني
30
أكتوبر 2012
بسم الله الرحمن الرحيم
قصة الفتى فبرايار وطلاسيم شجرة
الغرقد
المحتوى :
تنبيه
شمس
الأصيل في مأوى الشباب
فبرايار
في بلاد المشرق
أصل طلسم الغرقد
العفريت زولائيل وطقوس السحر
الأسود
تحرير إفراقيش
تعطيل إفساد علماء بني إسرائيل
باستثناء كبيرهم
سحر قصر الجرف
وتد الركن اليماني
تأهب للاجتماع مع الوتد الرابع
من بلاد مازغستان، سنة
2056 !
بعد ثورة الشعوب التي
عمت العالم انطلاقا من تونس…
حكايات من عوالم الشهادة، والخيال، والغيب، والبرازخ التي
بينها، لا يقيدها عقال…
فمن ربط أحداثها أو
أشخاصها بما هو موجود في الوجود، فليتحمل تبعات الجحود بتنزيه الخيال عن القيود
والحدود…
ولقد رُفِعَ الْقَلَمُ
عَنِ الحالم حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ المتخيل حَتَّى يعقل”.
تذكرون ما جرى مع الشاب فبرايار في قصة: "ودار الزمان في بلاد
مازغستان"... كنا قد وصلنا إلى مأوى الشباب في مدينة "إمهواش" ، فلما هممت بوداعه قال: والله عمري ما سمعت مثل
قصتك. فما أحسن حديثك وأطيبه. فقلت: وأين هذا مما أحدثك به غدا إن عشت
وأبقاني الله. موعدنا غدا بعد العصر في حديقة المأوى إن شاء الله. فرأيت وجهه
متهللا مستبشرا. وقلت في نفسي لما ودعته ” الأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ فَمَا
تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ . ”
فارقت الشاب إذن وقضيت بقية يومي، وكذلك اليوم التالي، مع عشيرتي التي
استقبلتني استقبال أبنائها البررة. وكانت أمي كما ذكرت في القصة الأولى، قد صارت وجهة
لكل من كانت له حاجة إلى رأس مال أو قرض حسن، يقيم به مشروعا من مشاريع الدنيا التي
هي مطية مشاريع الآخرة. كانت تنفق بدون حساب من الكنز الذي أحضره لي صديقي الجني "فرياطيل" من الدفائن
الزيرية كما تذكرون. فلما كان موعد لقاء الفتى فبرايار، عرجت على مأوى الشباب بعد
صلاة العصر.
سألت حارس المأوى عن الشاب "فبرايار" فأجابني: إنه في معامل "الروبوطات
الطائرة"، وبعد قليل سوف تنتهي دورة عمله. فقلت له : سأنتظره في مسبح المأوى،
فأخبره بذلك جزاك الله خيرا.
اتخذت مقاما أمام منظر أصيل بهيج. تغرب شمسه وانعكاساتها الملتهبة في بحيرة
المسبح الشاسع. مياهه المرتعشة من لمسات نسيم عليل، تقترن بأفق السماء المزركشة
بألوان الطيف. جثة فوق التراب من لم تنبعث فيه أحوال التسبيح، بكل ذرات جسده،
وخفقان قلبه، ولهج لسانه، وهيام روحه، أمام مشهد الأصيل... ومن لم يذكره بضرورة
الاستعداد ليوم تغرب فيه شمسه، فأولى له أن يلفه النسيان في سجل الغابرين الذين
سبقوه في الغفلة. فلا تغتري يا نفس بمقام سعيد في مأوى الشباب، وتذكري ما قال نوح
لملك الموت. " جَاءَ مَلَكُ الْمَوْتِ إِلَى نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلامُ،
فَقَالَ: يَا أَطْوَلَ النَّبِيِّينَ عُمْرًا كَيْفَ وَجَدْتَ الدُّنْيَا
وَلَذَّتَهَا؟ قَالَ: كَرَجُلٍ دَخَلَ بَيْتًا لَهُ بَابَانِ، فَقَامَ فِي وَسَطِ
الْبَيْتِ هُنَيَّةً، ثُمَّ خَرَجَ مِنَ الْبَابِ الآخَرِ ".
قلت في نفسي وأنا أسبح في أحوال المنتبهين، لقد استأثرت بالكلام في حكايتي.
ربما كان أولى لي أن أستمع للشاب الذي لا أعلم عنه سوى القليل مما تكلم عنه حول
منبته الكريم. سنة التعارف تقتضي مني الإنصات إليه، "وفي الإنصات للشباب عبر
وفوائد، فهم بناة ما كان من صرحنا قد تهدم". هل هذا من الشعر يا أهل القريض؟
فإني لست بشاعر!
فلم انتبه من سبحي وفكرتي إلا وقد انتصب الفتى أمامي مبتهجا. سلم وقال: لقد
سررت كثيرا لما أخبرني حارس المأوى بزيارتك. فشكرا لك على الوفاء بعهدك لشاب لا
يستحق التفاتة من أمثالك... وأنا الآن في شوق عظيم لسماع قصصك الشيقة. رددت عليه
السلام وعبارات الوئام، وشرعت في إبداء شوقي كذلك للإصغاء إلى شيء من أخباره.
ورأيته قد أطرق طرفه من الحياء، فسألته لرفع حرج الكلام أمام من هم أكبر منه سنا:
كيف وجدت ضيافة المأوى؟ فكان ذلك باعثا لإبداء نباهة وحسن تقدير، لما صارت عليه
أمور الشباب في بلاد مازغستان. وما تبع ذلك من موافقته على حكاية شيء من أخباره،
اقتضى مني اقتراحا في إشراك مستضيفيه في المأوى، وكذلك مجموعة من النزلاء الشباب
الذين كانوا معه في دورة عمله المنتهية.
فكانت بداية حميمية لسمر دام ساعات، لا يقطعه إلا واجب الوقت من أذكار
وصلوات، أو استحضار شيء مما تقوم به الذوات، مما يختار الناس من مأكل ومشروبات.
وقد أوقد لنا منشط المأوى نارا قرب البحيرة من حطب السنديان، يواسينا في ما يتلاشى
من منظر الشفق، لما هجمت عليه جنود الغسق المتربص
بليله البهيم.
قال الشاب فبرايار: تسألني يا سيدي كيف كانت ضيافة المأوى وأنت أعلم مني
بما صارت إليه أمور الشباب بعد ثوراتهم المباركة. لله الحمد وله الشكر. ومن موجبات
شكر الله، شكر القائمين على مؤسسة ابن السبيل العظيمة التي أحيتها الدولة
الإسلامية، ضمن المؤسسات الأصيلة الأخرى. عوضت لنا ما كان سفهاؤنا به يسترزقزن من
أعداء الأمة، يسمونها مؤسسات المجتمع المدني. وقد كان أثرها جعجعة بدون طحين، لا
قيمة له فيما للدنيا والدين من موازين...
نعم... فرج الله على الأمة،
وألغيت القيود على أسفار المسلمين في أرض الله الرحبة بعد تحريرها من سيطرة الدولة
الهجينة التي نصبها الروم في أدنى الأرض وأقاصيها، لخدمة مصالحهم منذ بداية القرن
العشرين.
خرجت مع فتية من بلاد مازغستان، عدتنا عدة أصحاب الكهف، قاصدين
بلاد المشرق. بعد اختبار مفتوح، اختارتنا شركة اسمها متواضع، فلما تواضعت لله رفع ذكرها
وبارك في عملها، فكان له الأثر العظيم في نهضة المسلمين: إنها "مؤسسة
الحزين". كانت تشتغل في مجال الأبحاث العلمية والاستشرافية. ويقال إن سبب تسميتها
بذلك الإسم، أن مؤسسها، وكان من بيت شرف وثروة، كان له زمن قضاه في التصابي، طرح
له فيه مشكل عويص: أين ينفق ماله الكثير الذي ورثه من غير حول له ولا قوة؟ واتفق
أنه سمع "دعاء الحزين" فكان سبب توبته. ونذر شطرا من ماله، نفقه على تأسيس
تلك المعلمة التي استلهم منها المسلمون خطط نهضتهم الناجحة، لما استقلت عن تحكم
الأعداء. وسماها بذلك الاسم استحضارا لسبب التوبة، ولتكون لازمة متجددة مدى
الحياة. وقد وصفوه لي إذ لم أحظ بلقائه: "بشره في وجهه، وحزنه في قلبه. طويل
غمه، بعيد همه" إشفاقا على أمة الإسلام...
ولقد دونت للشركة التي أنفقت بسخاء على رحلتي جميع ما أنجزته
لها وما وقعت عليه عيني وراء حدود بلاد مازغ... بداية من بوابة دمياط، ومرورا ببيت
المقدس والشام، ثم المدينة المنورة وأماكن أخرى، سأذكرها في قصتي.
بوبت القصة حسب مطالب الشركة وبنود الاتفاق المبروم
معها. وهي تنقسم إلى أربع مهمات أسماؤها عجيبة، وتفاصيلها غريبة: المهمة الأولى: اسمها
"طلاسيم الغرقد". المهمة الثانية: "قصر جرف المدينة". المهمة
الثالثة: " المنارة البيضاء". المهمة الرابعة: "مائدة سليمان".
انطلقت الرحلة سنة 2016، أثناء الحروب الطاحنة التي أشعلها بنو الأصفر بزعامة عصاة بني إسرائيل
على المسلمين، لما انفلتت من أيديهم الخيوط الماسكة لأحداث ثورات الشعوب المسلمة. حاولوا فرض النموذج التركي الذي كان يتبع دين
العلمانية التلمودية، ويتحالف معهم على بث الفرقة بين الشعوب المسلمة وإبعادها عن
ثمار التكنولوجيا المتطورة. لم يكن للأتراك أي نصيب في إعادة بناء صرح الأمة لتلك
العوامل ولأسباب أخرى منها:
·
قربهم من تاريخ انقراض دولتهم، وكانت آخر عهد
للمسلمين بالخلافة. والله عدل في تقسيم فتوحاته على الناس، لقوله تعالى {{
وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ}} [آل عمران:140].
·
ابتعادهم عن الحرف القرآني، وعن اللغة العربية، وعن
آل البيت الطاهرين الذين وهبهم الله خاصية الفهم في كتاب الله وسنة رسوله.
·
تماديهم في
اتباع دين العلمانية التلمودية المعطلة للشريعة الإسلامية.
ولقد بذل آل البيت الحسينيين ما
في الوسع في كل بقاع الأرض وخاصة في مجالهم الطبيعي بلاد خوارزم، وخراسان، والقارة
الهندية، إبان تلك القلاقل التي تبعت ثورات الشباب، واجتهدوا اجتهادا كبيرا كذلك في بلاد العرب، من أجل إقناع
أمراء الدولة العربية الهجينة للتوبة من دين العلمانية التلمودية التي هي عين
الكفر الذي وقع فيه عصاة بني إسرائيل، لما زوروا ثم عطلوا شريعة موسى عليه السلام.
كان من أهداف المهمة إبطال سحر
رهيب، تسلط على العرب، فحولهم عبيدا منقادين لعفاريت بني إسرائيل. وبلغ السحر درجة
مخيفة في إخضاع الأعراب، لما صاروا يضحون بأنفسهم في سبيل اليهود في معارك لا ناقة
لهم فيها ولا جمل. وضد من؟ وتلك هي المصيبة العظمى . ضد أنفسهم وضد إخوانهم من أهل
القبلة!!! خسارة الدنيا والآخرة كانت قاصمة
لظهر الأمة، فكان ذلك معبرا على مستوى الانحطاط الذي لم تبلغه أمة العرب حتى في عصر التتر، ورمز
السقوط السحيق كان ضياع المسجد الأقصى الذي دنسه عصاة بني إسرائيل وغيروا وظيفته
الإسلامية وبنوا على أنقاضه هيكلهم.
فكان
لا بد من فعل شيء، أي شيء، ولو كان من نوع قتال الطواحين الدونكيشوطية، لكي تبطل
الطلاسيم المتحكمة في انبطاح العرب. وليكن في علم المستهزئين، أن الأدب الدونكيشوطي
كان له الأثر العميق في تحرير الأسبان من عقدة الانهزام أمام العرب دامت ثمانية قرون. نفس
الفروسية الدونكشوطية مكنت حفنة منهم من القضاء على حضارات المايا والأزتيك،
واستعمار قارة بأكملها في فترة سكرة العرب وأفول نجمهم.
مدينة دمياط كانت أول محطة في مراحل
المهمة التي كلفني بها مسؤول البعثات الاستشرافية في "مؤسسة الحزين".
أمرني بالذهاب إلى عنوان في دمياط، وهناك سوف أجد من يدلني على تفاصيل المهمة
السرية. وما إن وصلت إلى العنوان حتى طرق الباب علي طارق. كان شيخا وقورا مهاب الشيبة، أثقل الدهر كاهله، فطواه طيا خفيفا أرغمه إلى الطأطأة نحو مثوى
الثرى، فصار ككل شيخ عبرة لمن يرى. عرفني بنفسه وأصله، قال: لقد دلوني على اسمك. أما
أنا فإن شئت فادعني بلقبي: "مداوي الكلوم"، وجئتك من بلاد السوس الأقصى،
بلاد الحكمة والكنوز التي لا تحصى. قال: إن مؤسسة الحزين كلفتني بمساعدتك في مسعاك وفي ما تعين عليك فعله.
وانتقل إلى صحن الدار، وهيأ مجمرا وبخورا وقرأ تعاويذ الضمياطي التي تعود إلى زمان
حملة الصليبيين على هذه المدينة، فلربما كانت سببا من أسباب أسر ملك فرنسا حينئذ.
ولم يزل شاخص العينين إلى السماء، مدمدما لرموزه و كلماته وحروفه، إلى أن نزلت علينا من كوة السطح شجرة يتشوك من منظرها الجلد،
مخافة وخز أشواكها، طلعها كرؤوس الشياطين. نطقت بلسان عربي غير مبين، فيه عجمة
يهودية تقلب السين شينا شينة كشين شباط، والحاء خاءا خائرة كخاء الخائن أو خاء
خوار العجل. فصاحت باسمها وفصلها وخواصها، فكانت أقرب شيء إلى شجرة الزقوم التي
تنبت في أصل الجحيم. قالت مفتخرة: أنا شجرة الغرقد، ذات الشراويط المربوطة للحل
والعقد. بنى علي اليهود طلاسيم تحصينهم من أي دفع ورد ... يغرسون مني في كل منبسط
ونجد، وكلما غرسوا مني، كلما زاد وثوقهم في بلوغ قمم التمكن والمجد. فتصدى الشيخ
لها وقال: وكلما زدت من تحصينهم زادوا في غطرستهم يعمهون، فتراهم في كل مصر للحروب
يوقدون، لا يرقبون في الإنسانية إلا ولا ذمة... ثم قال لها بصوت هادئ يخالف
زمجرتها، وقد أمرنا أن نخالف اليهود: تعرفين ياعدوة نفسها من أنا؟ أنا مداوي الكلوم، تتذكرينني؟ وأنا الآن عازم على حرقك
وذر رمادك في أعاصير بحر الظلمات وصواعق مثلث الشيطان، إن لم تبوحي بسر طلسم تحصين
عصاة بني إسرائيل. يمكنك تحصين الأمة المقتصدة من اليهود الذين هم من نسل هارون،
والذين يعترفون بنبوة عيسى ورسالة محمد صلى الله عليهم وسلم. أما الصهاينة الذين
يشعلون الحروب ويعادون الإنسانية، فإني آمرك أن تكفي عن هذا العمل الشنيع الذي
انفردت به دون الخلق.
فلما تعنتت في عصيانها، أمرني الحكيم
السوسي أن أشد وثاقها وأدنيها من نار التنور وبخوره الذي تصاعدت شياطين دخانه إلى
السماء... وإذ شعرت بخطر الاحتراق بلهيب النار، والاختناق بدخانه، قالت بصوتها
الكريه الذي يطغى عليه خوار حرف الخاء، نسبة إلى خوار العجل الذهبي الذي جعله
الصهاينة معبودا لهم من دون الله. قالت وهي تشير إلي: أخبرك إن خلصتني من خشونة وعنفوان
صاخبك فبرايار... فما زادتني بشاعة صوتها إلا الإصرار، في تقريبها من النار! حتى صرخت مستسلمة: دعني أرشدك إلى ما ينبغي عمله لإزالة طلاسيم التخصين...
قل لصاخبك أن يجردني من البذور الخمراء التي أخمل، ويذهب بها إلى مدينة على ساخل بخر
الظلمات تسمى موكادير وينتظر هناك بقية الأمر.
فانكمشت الشجرة وصارت كومة حطب من
حطب الحطمة، بعدما تناثر حبها الأحمر في صحن الدار. أمرنى الحكيم السوسي أن أجمع
معه البذور كلها لا نترك منها واحدة، وإلا افتقدنا سر التعاويذ الضمياطية. ثم صار
يردد من تلك التعاويذ ما يلبي واجب الوقت، فانتصب أمامنا عفريت لا يشبه العفاريت،
عرضه أكبر من طوله، وظهره تشبه الصحون الطيارة.... فأمره الحكيم أن ينقلنا إلى
المدينة التي على جانب بحر الظلمات. وأرشده إلى مكان هناك يعرفه. طار بنا العفريت إلى
السماء الرابعة لمحة برق، ثم أنزلنا في جزيرة قرب مدينة الطقوس. فقال هذا هو
المكان الذي أمرت أن ننزل فيه، وهو سجن مهجور يعج بهياكل العبيد الذين طمرهم فيه
يهود موكادير، ايام ممارستهم مع يهود هولندة لتجارة الرقيق مع نصارى أمريكا.
شمر الشيخ السوسي على ساعديه،
قائلا : هنا بدأت طلاسيم اليهود المعقودة في شجر الغرقد. ولا ينفع معها إلا بذور
شجر أركان التي يحملها طائر أبي منجل الأصلع الذي يعيش في محميات ماسيس. والطائر
سليل عنقاء مغرب التي انقطع نسلها. ثم ردد: "عنقاء مغرب" "عنقاء
مغرب"... عدة مرات. وكان نطق الحكيم
بذلك يخبرني، وفي الوقت ذاته هو تعويذة مقصودة. ما إن أتمها حتى امتلأت الجزيرة
بسرب من الطيور الصلع، تحمل في مناقيرها المعقفة بذور شجر أركان، وترميها لنا في
فناء السجن المهجور. وكان الشيخ السوسي يخلطها مع بذور شجر الغرقد فتتحد وتصير
بذرة واحدة. حتى إذا كمل امتزاجها قرأ عليها تعاويذ مبهمة، لم أدر إلى أي لسان أنسبها،
إن لم يكن لسان شمشالوخ بن برقيا.
فاضطربت الأرض وخرج منها عفريت
على صورة قرد أشقر، عرف بنفسه مفاخرا: أنا زولاييل البربري، ابتعدوا عن مستقري
وقراري، وإلا رميتكم خلف جبال وبراري، وأشويكم في براكين أوشوايا، إن سلمتم من زمهرير باتاكونيا!! ثم سارع إلى تنفيذ تهديده. تيقنت
بالهلاك لما زلزلت الأرض زلزالها تحت قدمي، من صداع موجات اللازر الأزرق المتوثب
علينا منطلقا من عينيه، يراوغ ويروم خطفنا إلى السماء. فجاءت عناية الله وحفظه، من
لدن جنده، الذين لا يعلمهم أحد سواه. تململت من وراء جدر أرواح العبيد الذين كانوا
قد استغنوا عنهم، بسبب سوس في أسنانهم، فانتهت رحلتهم إلى أمريكا في هذا السجن
الرهيب. طمرهم التجار اليهود في باطن الأرض ثم بني بترابهم بعض الجدر. فهم الذين خرجت أشباحم الآن من وراء العفريت
زولائيل. وقبل أن يشعر بهم، فجروا رأسه بالأغلال التي كانت موضوعة عليهم. واستولوا
على لازره الأزرق، بعدما سملوا عينيه، جزاءا وفاقا على محاولة تعليمهم السحر في الطقوس الكناوية بعد شرب دم المعزة
السوداء في مدينة الطقوس المحرمة.
وقبل أن يلتصقوا بلبن الجدر
المنحوتة عظامهم فيها، ناولوني اللازير الأزرق، بعدما رفضه الحكيم السوسي، مفضلا
أدوات تعازيمه التقليدية. قال لي الحكيم: إذا طويته حتى يستتر، واحتفظت به، فلربما
انتفعت به كما ينتفع الشباب بآلات العصر. أما أنا فلن أبتغي بديلا عن أدواتي التي
جربت فعلها عن قرب، فما خذلتني مرة، ولا
ترددت في طاعة أمري.
وهو في كلامه هذا مستغرقا، أشار
بصولجان صغير، إلى جب وسط السجن كان مهجورا، وكتب على رقعة جفر أصفر أمرا. فقال:
ها هو الدليل من ورائك. فالتفت إلى الجب فرأيته يفيض بماء الجير، يغلى كغلي الحميم.
ويرفع إلى السطح عفريتا ناصع السواد، لم يؤثر في قتامته بياض الجير. فنطق بصوت
يقصف كالرعد البعيد، وكأنه يأتي من برية باتاكونيا. قال مزمجرا: هذا يوم فرحي وسعادتي،
أخبرتني الهواتف البارحة أن أسري سيفك اليوم. وقد مرت على سجني في قمقم الجب مع العبيد
الأفارقة قرون. وبشرتني تلك الهواتف أنني ساخدم حكيما في مهمة ليس الآن أخطر منها
على الدين والدنيا. فلبيك يا سيدي وسعديك، لقد جئت بالأمر المطاع. فلما أراد أن
يقبل رجل الحكيم السوسي قال له ارفع رأسك، فلا ينبغي السجود إلا للملك المعبود، فإن ظلمت نفسك بشرك الركوع لغير الله، فسوف أحرقك
بالإسم الأعظم، ثم ترد إلي ربك فيعذبك
عذابا نكرا، وإن آمنت وعملت صالحا فلك أجر المساهمة في تنفيذ مهمة طلسم الغرقد وما
بعدها. فدلني على اسمك، وعلى كيفية استحضارك، أعلمها صاحبي فبرايار، فإنني أريد أن
تكون طاعتك له في المعروف كطاعتي. وسنقول
لك من أمرنا يسرا. فزمجر
العفريت قائلا : خادم أعتابكم الشريفة، " إفراقيش"، يشهدكم على توبته من
كبيرة الركوع لغير الله !
ثم أمره الحكيم السوسي فحملنا
إلى وجهة حددها له. عرج بنا إلى السماء
التي يسمع فيها صرير الأقلام وتسبيح أهل الجنان، وقد وجد في عروجه نشاطا كبيرا، استمد
طاقته من منجم الحرية والانعتاق. فقلت في نفسي: يا ليت مدة السفر تطول فيطول سماعي
لتسبيحات تمجيدات داود، وما يشبه نغماتها في الأرض قليلا سوى نغمات الموسيقى
التركية القديمة التي كان آخر خلفاء العثمانيين يفضلها على الموسيقى الجرمانية...
فما انتبهت من هيامي لذلك السماع، إلا ونحن فوق سماء صافية ظهر لنا منها مسجد
الصخرة في بيت المقدس.
أنزلنا الجني في مغارة الصخرة
ليلا وقال لي الحكيم السوسي: إن يهود إصفهان من الجن يستعدون لقتال الجن المسلمين
في إيران لئلا تقوم قائمة لمهدي هذا الزمان الظاهر في خراسان. يحذرون وعيد السبي،
أو الجلاء أو القتل، الذي يكون جزاؤهم خلال الملحمة كلما اتبعوا دجال زمانهم. وهم
يعلمون مهدي كل زمان فيحاربونه وراء راية دجال ذلك الزمان لأن لكل زمان دجاله
كذلك. ومع علمهم بمهدي الوقت فهم يختارون الانضمام إلى دجالهم تعصبا و{{ اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ
وَلا يَحِيْقُ المَكْرُ السَّيِّئُ إلا بَأَهْلِه فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا
سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ
لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا }} "فاطر: 42، 43".
وذلك شأنهم وطبعهم على مر
العصور. وهم يستعذبون الملحمة ويفرحون بقتل أنفسهم بأيديهم أو بأيدي غيرهم، نقمة
على أنفسهم مما اقترفوه من قتل الأنبياء والصالحين. ولقد برع أحد حكمائهم يسمى "فريد
بن طريد" في سبر أعماق طبعهم فسماه باسم المازوشية. يحلل فيه سبب ذلك الطبع الغريب،
الذي يدفعهم قهرا لتعذيب أنفسهم بأيديهم أو بأيدي غيرهم. و يكررون هذا السلوك ويجدون
فيه متعة خفية، على الرغم من شكواهم. والشكوى تكون في الظاهر، لأن بواطنهم تعشق
دور الضحية والمظلوم والمقهور والمعذب. وذلك نوع من اضطراب الشخصية المصحوب بسلوك التدمير
الذاتي.
تعجبت مما سمعت من الحكيم
السوسي، وقلت له: ياسيدي هذا أغرب ما سمعت
عن عصاة بني إسرائيل. فقال مستدركا: لكن احترس أن تغتر بنظر حكيمهم "فريد بن
طريد". كلامه إنما هو من الإسرائيليات التي أمرنا نبينا أن لا نصدقها وأن لا
نكذبها. والمسلم لا يحتاج لحكمة
"فريد بن طريد" لكي يفهم طبائع عصاة بني إسرائيل، لأن في القرآن والسنة
ما يغنيه عن كلام أهل الكتاب. والمطلع على ما أخبرنا به القرآن الكريم عن تلك
المعضلة، يجد فيه التفسير الحق الذي لا مراء فيه. وافهم يا ولدي قهر قانون {{ وإن عدتم عدنا }}. واقرأ إن شئت قوله تعالى في سورة البقرة : {{ ... فَاقْتُلُواْ
أَنفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ ... الآية}} . ففي التفسير عن ابن عباس: " أمر
موسى قومه - من أمر ربه عز وجل - أن يقتلوا أنفسهم. قال: ... فأخذوا الخناجر
بأيديهم، وأصابتهم ظُلَّة شديدة، فجعل يقتل بعضهم بعضا، فانجلت الظلَّة عنهم، وقد
أجلوا عن سبعين ألف قتيل، كل من قتل منهم كانت له توبة، وكل من بقي كانت له توبة".
تلك كانت وصفة شافية لبني
إسرائيل من كبيرة الشرك بالله، التي هي أعظم الذنوب.
أما ما جاء في صحيح السنة :
لتطهيرهم من ذنوب حب الغدر وسفك دماء الأنبياء والمصلحين: حكمة النبي صلى الله
عليه وسلم وعلى آله، في جعل السلطة القضائية عليهم في يد واحد من حلفائهم: سعد بن معاذ.
اختاروه لكي يحكم عليهم بعدما حاصرهم النبي صلى الله عليه وسلم في حصون بني قريظة،
بعد غدرهم. قال سعد : فإني أحكم فيهم أن تُقتل الرجال، وتقسم الأموال، وتُسبى
الذراري والنساء. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لسعد: "لقد حكمت
فيهم بحكم الله من فوق سبعة أرقعة". وأُوتي بزعيم القوم حيي بن أخطب،
مجموعة يداه إلى عنقه بحبل. فلما نظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال
عدو الله: أما والله ما لمت نفسي في عدواتك، ولكنه من يخذل الله يخذل، ثم أقبل على
الناس، فقال: أيها الناس، إنه لا بأس بأمر الله، كتاب وقدر ملحمة، كتبها الله
على بني إسرائيل، ثم جلس فضربت عنقه.
قال الحكيم السوسي: فهمت الآن
يا صاحبي؟ إنه إذن قدر ملحمة تجعل هذا الجنس الغريب من الناس يستعذب العذاب، ليس
تجلدا بل جلدا للنفس، وانتقاما منها، لنزوعها للشر واستساغته.
وهو قدر يسري كذلك على نسائهم.
فلقد روي عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، أنها قالت: لم يقتل من نسائهم إلا
امراة واحدة. قالت: "والله إنها لعندي تحَدث معي، وتضحك ظهرا وبطنا
" !!! " ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقتل رجالها في
السوق، إذ هتف هاتف باسمها: أين فلانة؟ قالت: أنا والله، قالت: قلت لها:
ويلك؛ ما لك؟ قالت: أُقتل؛ قلت: ولم؟ قالت: لحدث أحدثته؛ قالت: فانطلق
بها، فضربت عنقها؛ فكانت عائشة تقول: فوالله ما أنسى عجبا منها، طيب نفسها،
وكثرة ضحكها، وقد عرفت أنها تُقتل".
إنها إذن دركات الطبع المازوشي
واضحة أيضا عند نسائهم، يستقبلن الموت بطيب خاطر وكثرة ضحك، انتقاما من النفس التي
كانت تحب قتل الأنبياء والصالحين من البشر. فهي التي طرحت الرحا على الصحابي خلاد
بن سويد، فقتلته، كما روته سيرة ابن هشام.
وحتى لا يقال إنهم فرض عليهم
ذلك! فها هو دليل حبهم للانتحار في قصة واحد منهم اسمه الزبير بن باطا
في نفس الواقعة مع بني قريظة. أتيح له ظرف سانح بالنجاة بنفسه وبماله وبأهله بسبب
معروف فعله مع صحابي، فاختار الموت على النجاة ولم تحدثه نفسه قط بفسحة عمر يتوب
فيها عن كفره، وينجو بماله وأهله.
قال ابن إسحاق: كان الزبير بن
باطا القرظي قد منَّ على ثابت بن قيس بن شماس في الجاهلية... فجاءه ثابت وهو شيخ
كبير، فقال: يا أبا عبد الرحمن، هل تعرفني؟ قال: وهل يجهل مثلي مثلك؛ قال:
إني قد أردت أن أجزيك بيدك عندي؛ قال: إن الكريم يجزي الكريم. ثم أتى ثابت بن
قيس رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إنه قد كانت للزبير عليّ
منة، وقد أحببت أن أجزيه بها، فهب لي دمه؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "هو
لك". فأتاه فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد وهب لي دمك، فهو لك؛
قال: شيخ كبير لا أهل له ولا ولد، فما يصنع بالحياة؟ فأتى ثابت رسول الله صلى
الله عليه وسلم فقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، هب لي امرأته وولده؛ قال: "هم
لك". فأتاه فقال: قد وهب لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أهلك وولدك،
فهم لك؛ قال: أهل بيت بالحجاز لا مال لهم، فما بقاؤهم على ذلك؟ فأتى ثابت رسول
الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، ماله؛ قال: "هو لك".
فأتاه ثابت فقال: قد أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم مالك، فهو لك. قال:
أي ثابت، مافعل الذي كأن وجهه مرآة صينية يتراءى فيها عذارى الحي، كعب بن أسد؟
قال: قتل؛ قال: فما فعل سيد الحاضر والبادي حيي بن أخطب؟ قال: قتل؛ قال:
فما فعل مقدمتنا إذا شددنا، وحاميتنا إذا فررنا، عزَّال بن سموأل؟ قال: قتل؛
قال: فما فعل المجلسان؟ يعني بني كعب بن قريظة وبني عمرو بن قريظة؛ قال:
ذهبوا قتلوا؛ قال: فإني أسألك يا ثابت بيدي عندك إلا ألحقتني بالقوم، فوالله ما
في العيش بعد هؤلاء من خير، فما أنا بصابر لله فتلة دلو ناضح حتى ألقى الأحبة.
فقدمه ثابت، فضرب عنقه.
فتعجبت من حديث الحكيم السوسي،
الذي سيق بمغزاه، فكأنني لما سمعته لم
أقرأ كتابا من كتب التفسير أو كتب السيرة.
ثم أرجعني الحكيم مداوي الكلوم
إلى واجب الحاضر، بعدما زودني بعبر الماضي قائلا : لم يبق لي يا فتى إلا أن أخبرك
بالدور الذي لا ينوب فيه عنك أحد. إنه مرتبط بفلكك في أبراج السعد، الذي تتناغم فيه
روحانيتك مع اصطفاف الكواكب العلويات فتقوى بذلك على المهمات السفليات. خلاصة
القول، أنت الوحيد الذي يملك مفتاح المرحلة. خذ هذه الصناديق الغيبية المرقمة من واحد إلى أربعة. استمع واقرأ
ما في الصحف الأولى المخبأة فيها. تعاليم واضحة وضوح الشمس في النهار، سوف تجدها
في كل واحدة منها، اتبعها ولا تلتفت إلى من يريد أن يصدك عنها.
ثم استودعني الله الذي لا تضيع
معه الودائع، وطار به الجني المحرر في أقطار السماء، وتركني في حيرة من أمري وحيدا
أمام مسؤوليتي.
وبعد فترة الذهول المجمد للحركة
الهادفة، كما جمد قبله ما سموه "الحراك العربي" لما أرادوا قطف ثماره
ووضعها في الثلاجة التركية، قلت في نفسي: لا بد من اتباع سبب، ولي المثل في حركة
ذي القرنين، وإن لم يكن، ففي سبب مريم المستجيبة لأمر ربها {{ وهزي إليك بجذع
النخلة... }}. وإن لم يكن ففي حماقة دون
كيشوط التي كانت سببا لنهضة الاسبان وتخليصهم من عقدة الانهزام. فتحدوا عرب الأندلس
، فكان ما كان من أمرهم في أمريكا وآسيا وغيرها من أقطار امبراطوريتهم التي كانت
لا تغرب عنها الشمس.
قلت بسم الله توكلت على الله،
وأخذت الصندوق الذي نقش عليه الرقم واحد. فقلبته يمنة ويسارا، وعالجته ما استطعت
لفتحه، فلم أفلح. فتذكرت ما طلبه الحكيم السوسي من الجني "إفراقيش". طلب
منه خدمتي. فرددت اسمه ثلاث مرات "إفراقيش". فانفلقت في الحال صخرة
المسجد العمري، وخرج منها رافعا رأسه كأنه لا يزال مبتهجا من التحرر من ذل السجود لغير
الله. وظهر كذلك مسرورا في المساهمة في المهمة التي أخبره بها الحكيم السوسي مداوي
الكلوم. قال لي مبتسما: قم وأسرع إلى فناء المسجد الأقصى، وخذ مجلسا مريحا فوق
حائط البراق، فإنه حائط أوقاف المغاربة، والوقف لا يتغير حكمه أبدا، ثم انثر في
ساحة حارة المغاربة التي استولى عليها اليهود وكدروا صفو أيامها ببكائهم على حالهم
الحاقد على خلق الله. أنثر في الساحة تلك
البذور المركبة من حب شجر الغرقد، ومن حب شجر الأركان.
تخبأت وراء ظل إفراقيش الذي يحجبني
في الليل سواده عن الأنظار. فنثرت الحب في ساحة بكائهم كما أمرني . فانفلق الحب
لحينه وخرج منه عدد لا يحصى من العفاريت يتقدمهم مارد يشبه شمهاروش في الخلقة إلا
أن يديه تنتهيان برماح على شكل شمعدان يهودي. ينبعث منه شعاع لازر أخضر يذيب كل
شيء انتهى إليه. على جباههم رايات زرق كتب عليها بالأصفر "مردة يهود إصفاهان".
كان من المردة من يمسك قيودا
يكبلون بها علماء من فارس والبلدان التابعة لها في الجنس الآري أو اللغة أو
المذهب، كالهند وخوارزم وخراسان وغيرها. منهم علماء الطاقة النووية والهيدروجينية
والأشعاعات الحارقة والذبذبات المشلة للحركات، وعلماء الروبوطات الحائمة والعائمة
والغائصة، وعلماء طائرات الاندرويد الساحقة والصواريخ الماحقة، وعلماء الأقمار
الصناعية، وعلماء النانو، وعلماء الفهم العلوي في الدين . وهؤلاء كلهم موشحون
بوسام تمجيد النبي صلى الله عليه وسلم وعلى آله لهم. كتب على الأوسمة بماء الذهب
قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث صحيح: " لو كان العلم في الثريا لسبقكم اليه ابناء فارس". فصارت لهم شهادة أعظم من شهادات جامعات الأرض
كلها، إنما كانوا يترقبون زمن ظهورهم الأصغر، لأن الظهور الأكبر هو المؤيد لمهدي
آخر الزمان. وكان منهم من ظهر قبل أوانه، فسلط عليه طلسم الغرقد، فقتله اليهود
ظلما وعدوانا، كما هي عادة عصاة بني إسرائيل في سفك دماء الأنبياء وورثة الأنبياء،
والعلماء ورثة الأنبياء...
فلما جاء أوانهم، كان الرمز
الأول لطلسم شجرة الغرقد، كافيا لإطلاق
سراحهم، وكان لها ثلاثة رموز. رأيت جيش يهود إصفاهان وهم من الجن شاخصين إلي نظرهم
كأنهم ينتظرون أمري، فلم أدر كيف شرح لي ربي
صدري، ويسر لي أمري، وحل عقدة من فهمي، فنطق لساني بدون حول مني ولا قوة.
فقلت لهم بلغتهم التي يفهمون:
بحكم
السر الأول الذي أودعه الله في طلسم الغرقد، ردوا علماء الثريا إلى مواطنهم في
القلاع الخزرية، والحصون المازندرانية، والكهوف الخواريزمية، والأحراج الدكانية حالا.
فاصطف علماء الثريا قرب المكان الذي ربط فيه النبي صلى الله عليه وسلم راحلته
البراقية لمعراجه في عالم الملكوت والجبروت. ولمع في السماء برق يخطف الأبصار،
أظهر ملامح علماء فارس في شاشة حائط البراق، خاشعين لله، سيماهم في وجوههم من أثر
السجود. بكيت لرؤيتهم وقلت في نفسي هؤلاء هم بيضة الأمة وحماتها من كل عدو يتربص
بها الدوائر في هذا الزمان !
فقلت لعفاريت اصفهان ردوهم في
الحين إلي مستقراتهم آمنين، ومن منهم نقصت له شعرة، فللجناة حكم السجن في القماقم السليمانية.
فكان من بركات معراج الرسول صلى الله عليه وسلم الذي سلكوه طاعة لأمري، أن قد أسلم
عفاريت إصفهان عن آخرهم، لما تغشتهم السكينة التي نزلت مع نور البرق الذي أضاء حائط
البراق وساحة المغاربة قرب المسجد الأقصى...
رجع جن إصفهان الذين أسلموا من
مهمتهم مطبوعين بنور الأيمان قبل أن يرتد إلي طرفي. وقلت لهم : ائتوني بكل داهية مكين،
من علماء بني إسرائيل، وحكمائهم البارعين في صنعة السحر والتنجيم، وخبراء أكل
أموال الناس بالباطل والمرابين. وائتوني كذلك بمروجي البهتان في الإعلام
والمزورين. وتجار المحرمات وغيرهم من الظالمين.
فأتوا بهم في الحين من كل فج
عميق، وهم في أغلالهم يتعثرون. يتقدكمهم الأحبار الذين يزورون التوراة بأديهم، بغرض
تحريف وتعطيل شريعة موسى عليه السلام. فلما سألت جن إصفهان هل ينقص من أعداء
أنفسهم أحد؟ أجابني زعيمهم: كلهم سلطنا الله عليهم، إلا واحدا منهم، لم ينفع معه الرمز
الأول للطلسم ، فتركناه ولم نعبأ به لضعف أصابه فعجز عن الحركة. فألهمت في الحين
أن هذا الذي راوه ضعيفا هو الذي ربما يؤتى العرب من جهته. وتذكرت قول الشاعر:
ولا تـحـقـرن كـيـد الضعيف
فربمــا * * * تموت الأفاعي من سموم العقـارب.
وتعجبت لما رأيت عددا كبيرا من المصفدين
في الأغلال ممن أتوا بهم من حكماء صهيون، رأيتهم بزي أعراب الجزيرة. فجاء الجواب مع حال التعجب
والاستفهام. قال لي هاتف: {{ ... وَمَنْ
يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ... الآية }} " البقرة : 51
". ثم زاد الهاتف مفسرا : ذلك تفسير الآية 6 من سورة الإسراء تخاطب اليهود: {{
وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا ...
الآية}}. فتعجبت من تفسير الهاتف الذي لم يسبقه إليه أحد من المفسرين حسب ما وصل
إليه علمي.
فلما شغلت المفتاح الخاص بعلماء
السوء من عصاة بني إسرائيل، وقد ألهمت أنه هو الرمز الثاني لطلسم الغرقد، تغيرت ثيابهم فصارت قماقم
نحاسية وهم بداخلها، فختمت عليها بخاتم سليمان الذي أورثنا الله سره، وطار بهم الجني
المنتشي بحريته، إفراقيش، إلى ما وراء بحر الظلمات. وقد طلب مني أن أترك له تلك
المهمة ليشفي غليل الانتقام من يهود هولندة الذين سفكو دماء إخوانه في سجن موكادير.
بعد ذلك أمرت عفاريت اصفهان بفك
اللغز الثالث من طلسم شجر الغرقد، فلا يبقى بعد اليوم أي عهد لحماية عصاة بني
إسرائيل. فأشار إلي كبير عفاريت إصفهان أن ذلك ليس له سبيل إلا إذا سجن ذلك الحقير
الذي استثناه الطلسم الثاني من التسليط. فقلت لهم أين تركتموه؟ قالوا تركناه على
مشارف المدينة المنورة في جبل الجرف. قلت لهم ذلك ما ألهمني ربي فراسة صادقة: إنه
دجال العصر، يقتفي أثر دجال آخر الزمان، وما ردكم لو قلت لكم إنه يسكن قصرا فخما
يرى منه بياض مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم؟ قالوا هو كذلك... قلت لهم إنه القصر
الذي أعده أحد الملوك، وتركه مهجورا في انتظار استضافة دجال آخر الزمان. ولربما
سكنه دجاجلة من دونه، هذا الذي احتقرتموه واحد منهم...
فلما انتهى الضوء الصادرمن
الصندوق الأول علمت أن المهمة الأولى التي طويت صحيفتها كطي السجل للكتاب داخله قد
انتهت. والأمر يعود الآن لما سيظهر من الصندوق الثاني. فلما حككته بزناد الكلس كما
أمرني عبر الأثير الحكيم السوسي مداوي الكلوم، انفتح وخرجت منه ألواح مسموعة
مقروؤة ، تفهم معانيها ولو لم تتعب العين في قراءتها، أو الأذن في سماعها. جاء في
الألواح بلسان الحال الذي يغني عن المقال: إن فرقة من أعراب نجد الذين استشكل
نسبهم فدلت أعمالهم أنهم من نسل الصعاليك الذين آذوا النبي صلى الله عليه وسلم، ثم
ذريته من بعده، إنهم قد تولوا بني الأصفر
ثم الصهاينة ولاءا غير مشروط، وباعوا لهم الأرض التي بارك الله فيها. فكان ذلك
سببا لرفع البركة عنهم، فلم ينفعهم جبل الذهب الذي كشف لهم عنه على ضفاف نهر الفرات
في بلاد الشام. وهو الذهب الذي قال فيه رسول الله صلى
الله عليه وسلم : "لا تذهب الدنيا حتى ينجلي فراتكم عن جزيرة من ذهب،
فيقتتلون عليه، فيقتل من كل مائة تسعة و تسعون". ولم ينتفعوا قبله بعيون النفط التي تفجرت من بين
أيديهم، ومن خلفهم، وعن أيمانهم، وعن شمائلهم. وتلك هي الجهات التي أتتهم منها
الشياطين والسحرة من بني إسرائيل. فصاروا موالي لبني الأصفر يرغمونهم على شراء
الأسلحة القديمة بالقناطير المقنطرة من الذهب، ويأمرونهم فيقتل بعضهم البعض بها.
ثم صاروا حلفاء لبني صهيون الذين جعلوهم ميسرة جيش دجال هذا الزمان، في حربهم على
الأشراف الحسينيين الذين ظهر أمر مهدي زمانهم في بلاد خراسان، وحوالي المنارة
البيضاء في بلاد الشام.
باحت ألواح الصندوق الثاني بعلم
مشفر، يترجم عن كتاب الجفر، يقتضي عملا مستعجلا، يكون سببا لتعطيل سحر الجهات
الأربع. فوعيت عنه أن فسخ سحر الجهات الأربع له علاقة بأركان الكعبة، وبأوتاد الزمان الذين يحفظ الله بهم أهل الأرض من الجهات الأربع التي تأتي منها الشياطين.
فسارعت إلى اتباع سبب المدينة المنورة، وفرحت غاية الفرح لتلك الوجهة التي سوف
تجمعنا بالحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم وعلى آله.
أسرى بي الجني إفراقيش المسلم الذي أمره الحكيم مداوي
الكلوم بمساعدتي، من المسجد الأقصى إلى المدينة المنورة، فوقفت على حقيقة أمر دجال
الزمان الذي يتوثب على المدينة، يريد الثأر لحيي بن أخطب، ولليهودي باطا، ولليهودية
التي كانت تضحك ظهرا وبطنا وهي تساق إلى الموت، وغيرهم من بني قريظة. وقد علم الدجال
أن بني قريظة هم الذين حكموا على أنفسهم بالقتل انتقاما منها، لعل الله يتوب عليهم،
كما فعلوا يوم الظلة مع موسى عليه السلام.
فأراد إفراقيش وجهة الجرف مباشرة، فقلت له من السنة أن
يبتدأ ورودنا المدينة على المسجد النبوي لنصلي فيه، ثم لنسلم على النبي صلى الله
عليه وسلم وعلى آله قبالة مضجعه الشريف. وهناك توارى الجني عن الأنظار، وكان
يقلدني في آداب الزيارة. ثم خرجنا إلى أطراف المدينة المنورة فصار يحصي لي أعداد
الملائكة الذين وكلهم الله عز وجل بحفظ المدينة من دجال القرن. ثم قال لي: إن
صاحبك مداوي الكلوم يقرؤك السلام، وقد كنت معه في الوقت الذي كنت فيه تجدد الوضوء
قبل صلاة العشاء. ويقول لك: عليك بالأوتاد الأربعة، وكررها لك أربع مرات. فقلت له ذلك ما كنا نبغي. الشياطين الذين أمرهم
اليهود بسحر العرب، يأتونهم عن أيمانهم وهي جهة اليمن، وعن شمائلهم، وهي جهة الشام
أو الشمال. ويأتونهم من بين أيديهم وهي جهة المشرق ومن خلفهم وهي جهة المغرب.
فلربما استمر السحر إلى أن يكتمل فسخه من الجهات الأربع. ولن نتمكن من ذلك إلا
بمساعدة الأوتاد الأربعة. تلك هي وصية الشيخ، تتوافق مع ما نقش في قلبي فراسة، وفي
عقلي نظرا، وفي بصيرتي فهما وتدبرا، وكلها أنوار صادرة عن الملهم الخبير سبحانه.
وعاها سمعي كذلك من تصريح ألواح الصندوق الثاني. وجرى قدر إمضائها في مسرح أحداث
الربيع العربي، وكلمة ربيع فيها الحروف الأربعة التي في كلمة عربي ...
قلت للعفريت إفراقيش: ائتني بالصندوق الثاني. وكان قد خبأ
الصناديق قرب خزائن الغيب والخيال المتأرجح بين الوجود والعدم... ذلك لكي لا يصل
إليها سحرة الدجال. فأتى بالصندوق الثاني وشغلت مفتاحا من مفاتيحه، بنية سبب
يطرحني على طريق الوتد الأول .
فما أسهل أمر الأوتاد لمن كان له همة طرق الأسباب، عوض
التواكل والاعتماد على الغير، لكي يقضي له حاجة من حوائج الدنيا والآخرة. فإن لم
تتميز بالحركة الهادفة، فأنت في عداد العدم، كالحرف الساكن لا ظهور له إلا
بالحركة، خفظا أو رفعا أو نصبا.
أول من وقعت عليه عيني من البشر بعد رؤية الملائكة بعين
الإيمان، يحرسون المدينة، رجل من اليمن يشتغل في خدمة زائري ختم الأنبياء والمرسلن
عليه صلاة الله وسلامه وعلى آله. رأيت فيه
وتد الركن اليماني، لم أشك في ذلك قطعا. فلربما أثر يقيني تأثيرا على الرجل فصار
للتو وتد الجهة الجنوبية، إن لم يكن كذلك. سلمت عليه فرد بأحسن منها، وأجابني على
بغيتي، قرأها في خفي سريرتي بقدرة الملهم سبحانه. قال لي وهو يرى معي إفراقيش
المتواري عن الأنظار، قال: صرت الآن حائزا لربع الطلسم الذي يسحر العرب، وصاحبي وتد الشمال ينتظرك بجوار المنارة البيضاء شرق دمشق، ويقول لك أسرع، قبل أن تباد العرب.
ثم قال: علمت ذلك في الاجتماع الذي جمعني بالأوتاد الآخرين البارحة في غار حيراء
في جبل النور. فأستودعك الله. واختفى يمشي في الأسواق كعامة الناس. وهنا تغشاني
حال بكاء، وأجهشت مرددا قوله تعالى : {{ وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً
وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ ...}}. فسألني العفريت ما يبكيك يافتى فأنت أحزنت قلبى كحزني على أهلي الذين
أطمرهم العفريت زولائيل في سجن موكادير قرب بحر الظلمات. قلت له أفلا تنظر إلى
تواضع الرجل، طوى الله له الأرض فجاء من حينه من مكة، وله مسؤولية لو وزعت على
ملوك الأرض ما قدروا على حملها. نظر الله إلى رباطة إيمانه فحمله أمانة حفظ أهل
الأرض من جهة الجنوب. أمانة عظيمة، السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ
َأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا هو بقدرة القادر على
كل شيء عز وجل. والربع الذي جعل لي التصرف فيه من سر الطلسم، هو على قدر قوة مدد أهل
اليمن حين مد الله به جند اليرموك الذين قهروا هرقل الروم.
فلما رأيت إفراقيش قاب قوسين أو أدنى أن يغشى عليه مما
سمع، سارعت إلى إمساكه قائلا: ليس الوقت وقت تواجد وغيبة، ورخصة راحة؛ الوقت وقت
وجود وحضور في الساحة.
فكم لك من جناح
في طريق الإسراء والعروج ؟ فأجابني بعدما قرص جلده لتدارك صحوته، قال لي ربع جناح
فقط. قلت له اجتهد في جعل أجنحتك رباع، وخذني إلى المنارة البيضاء لنحرز قبل غيرنا
على الربع الثاني من طلسم سحر العرب.
فكان إسراء عبر المكان والزمان، أسرع مما مر علي من
حركة. إسراء عبر الزمان مر بنا فوق جيش
مدد اليمن. فكأنني أرى بعين البصيرة خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله
أبا بكر الصديق رضي الله عنه، يتبسم لما رآى عظمة جيش اليمن الذي استجاب للنفير.
وقال لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: يا أبا الحسن أما سمعت رسول الله صلى الله
عليه وسلم يقول: ” اذا أقبلت حمير ومعها نساؤها تحمل أولادها فابشر بنصر الله على
أهل الشرك أجمعين”. فقال الإمام علي: صدقت وأنا سمعته من رسول الله صلى الله عليه
وسلم.”
أما الإسراء عبر المكان فكأنه كان بأجنحة رباع مخلقة.
أنزلني إفراقيش قرب المنارة البيضاء في الوقت ذاته الذي فارقنا فيه نواحي الجرف في
المدينة المنورة. ونحن نلتمس هناك الوتد الذي يحفظ الله به أهل الأرض من جهة
الشمال، تذكرت شروط الاتفاقية التي تربطني بمؤسسة الحزين. فبعد مهمة الغرقد والجرف،
تأتي المنارة البيضاء، هكذا ينبغي أن أكون قاصدا في طلب الأسباب، لا تلهيني
المقامات والأحوال عن حمل أمانة الوفاء لمن استعملني، واستعمل الشيخ السوسي مداوي
الكلوم.
جاء وقت الصندوق الثالث الذي
زودني به مداوي الكلوم. كشفت لي الصحف المطوية التي وجدتها فيه، أسرارا خطيرة يستهزئ
منها فقهاء الناصبة المتوثبين لقتال مهدي كل زمان. ولقد استشكل عليهم أمر مهدي آل
البيت، ودجال يهود، ومسيح النصارى، لجهلهم مفاتيح الغيب النسبي التي وجدتها في الصندوق
الحافظ لسر المنارة البيضاء في دمشق. السر الأول الذي بينته الصحف: يخبر أن في كل
قرن يبرز الله سبحانه وتعالى إلى الوجود أربعة زعماء:
·
رجلا على قدم الدجال، يعيث في الأرض فسادا، ويتولاه
كل مستكبر جبار؛
·
رجلا على قدم المهدي يجدد الدين ويصلح ما أفسده
الدجال؛
·
رجلا على قدم المسيح عليه وعلى نبينا السلام، حجة على
أهل الصليب كما سوف يكون عند نزوله في آخر
الزمان مصداقا لقوله عز وجل في قرآنه الكريم : {{ وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ
إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ
عَلَيْهِمْ شَهِيدًا }} "سورة النساء:
159 ".
·
رجل على قلب ياجوج وماجوج وهو القدر المنبعث من غضب
الله يسلطه على من يشاء.
حتى إذا عفوا، يظهر الله لهم
ورثة يتبعون نهجهم إلى أن يكون ختمهم الإمام المهدي والدجال الأعور وعيسى بن مريم عليه
السلام، وياجوج وماجوج الخارجين زمن ظهور ختم الأئمة المهديين. وهذا من علامات آخر
الزمان الذي تفصلنا عنه أحقابا لا يعلمها إلا الله لأنها من غيبه المطلق... ربما
بلغت آلاف السنين، ويوم عند ربك كألف سنة مما تعدون، ولربما كان حساب اليوم خمسين
ألف سنة، نراه بعيدا ويراه الله قريبا، والله أعلم .
دجاجلة كل زمان، كان منهم منهم
ابن صياد وكان أمره معطلا زمن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يزيد بن معاوية. ويكون
ختمهم الدجال الأعور. ومنهم دجاجلة القرون
الحديثة : دجال القرن العشرين حاييم وايزمان زعيم الحركة الصهيونية الذي أمضى اتفاقية تسليم فلسطين مع النواصب.
والنواصب هم الذين يتقربون إلى الشيطان بقتال آل البيت. وكانوا
قد أفتوا للملك الذي باع فلسطين إلى اليهود أن الأجرة التي تأتيه من عرش بريطانيا،
مقابل خيانته العظمى، حلال طيب، بعد أن غيروا اسم تلك الرشوة الحقيرة وسموها جزية!!! وهذا من نوع فعل علماء
السوء من عصاة بني إسرائيل، يسمون الحرام بغير اسمه ليحللوه، الربا سموه فائدة،
والخمر سموه مشروبا روحيا، هكذا فعلوا مع كل المحرمات.
أما الدجال الأخير دجال القرن الواحد
والعشرين فهو الذي استولى على المسجد الأقصى وأشعل الحرب على بلاد فارس، وكان جيش
ميسرته يضم ألف ألف من أخلاط العرب الملاحدة والنواصب ومن يهود اصفهان. والحرب
الدائرة في شرق دمشق عند المنارة البيضاء هي علامة صغرى للساعة، وإرهاص يتكرر كل
قرن للعلامة الكبرى عند نزول عيسى والناس
يستعدون للصلاة بإمامة المهدي المنتظر، كما ورد في علم الساعة المدون في كتب
الحديث...
وعيت كذلك ما سطر في صحف الصندوق
الثالث عن سر اجتماع المهدي والمسيح والدجال في دمشق. ولماذا دمشق بالذات؟، بعدما كان ظهور كل واحد منهم في أماكن مختلفة،
في مكة أو المدينة أو أصفهان أو بيت المقدس.
وعيت تلك المسألة التي حيرت عددا كبيرا من الحكماء، لماذا
اختار الله دمشق لاجتماع المهدي وعيسى والدجال وقيل حتى ياجوج وماجوج؟
دمشق ما لها من ميزة سوى أنها عاصمة يزيد بن معاوية الذي
كان أول من نقض عرى الإسلام.
ودمشق هي أيضا التي أظهر فيها "بولس" العقيدة
التي تقول إن الله ثالث ثلاثة والعياذ بالله. ورثها منه الكاثوليكيون الذين يؤلهون
عيسى ويعبدون الصليب. وهم الذين اقتطعوا بلاد الشام من الخلافة العثمانية الإسلامية،
بزعامة فرنسا وبابا الفاتكان. وفيها استفحلت دعوة حزب البعث الذي أسسه نصراني من
أحفاد "بولوس"
فبشّر رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحاديث نزول عيسى
عليه السلام، أن كفر اتخاذ المسيح وأمه إلاهين من دون الله، ستزول من وجه الأرض
كلها، بداية من دمشق التي كانت منبعها. إخبار النبي صلى الله عليه وسلم أن المسيح القادم
سيكسر الصليب في دمشق دليل من دلائل النبوة. والصليب لم يكن من شعار الانجليز
وإنما هو للكاثوليك المرتبطين بنصارى الشام، فسبقت نبوته حدث أخذ فرنسا للشام لما تقاسمت إرث الخلافة الإسلامية
العثمانية مع بريطانيا.
وظهور المهدي، أو من يسبقه من ممثليه، في دمشق أيضا،
يرمز إلى سقوط بدعة النصب انطلاقا من دمشق التي كانت منبعها مع يزيد قاتل الحسين.
فقبل العلامة الكبرى، تكون إرهاصات وعلامات صغرى للأمراض
العقدية المنبعثة من دمشق، ثم تكون معالجتها منها أيضا على رؤوس الأشهاد.
وتكون كذلك إرهاصات لعلامات الساعة في حدث اجتماع ممثل
المسيح بممثل المهدي لقتال ممثل الدجال، وممثلي ياجوج وماجوج. وكلها عناصر اجتمعت
في الفتنة التي طبعت ربيع العرب في العشرية الثانية من القرن الحالي.
وما فك طلسم المنارة البيضاء إلا من أجل تيسير مخاض
الحرب التي دارت رحاها بين أقطاب الفتنة.
ولقد تكرر عبر التاريخ اجتماع تلك العناصر. فكان جيش
يزيد بن معاوية قاتل الحسين رضي الله عنه يمثل جيش الدجال. و كرر نفس الدور جيش صدام
المشنوق. وتكرر نفس الهرج في عهد بشار الأسد. تورط كذلك أحفاد يزيد في سفك دم
أنصار آل البيت أثناء الربيع العربي في ميسرة
جيش يهود إصبهان. وكانت تلك الميسرة تضم كذلك ملاحدة العرب وسفاحي منظمة خلق.
وكلهم مرتزقة وقتلة مأجورون لنصرة المسيح الدجال الذي يستعد له حلف الناتو في
محرقة هرمجدون... ومثل حلف الشام مع آل البيت في فارس ولبنان جيش المهدي المبشر به
آخر الزمان. ذلك بعد أن تبرأ أهل الشام من الموبقات الأربع بينها لهم وتد الشام :
·
براءة من فعل يزيد وجيش الشام بالإمام الحسين رضي الله عنه في كربلاء؛
·
براءة من عقيدة الحزب العفلقي النصراني؛
·
براءة من الذين ساعدوا صدام في الاعتداء على إيران؛
·
براءة مما كتبت أيديهم في صحف سموها" وجاء دور المجوس". وكتبوا كذلك
قولا كبيرا... {{ تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ
الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا}}. قالوا : إن قتال الفرس أوجب من قتال
الصهاينة!!! واتبعوا فتوى أحد الشيوخ الذين رأى بعض أهل الكشف إن سحر اليهود الذي ضبع
الأعراب، قد أخرج من ضاض اسم الشيخ، عصا كانت مخبأة فيه، إلى أن رفعها شعارا لقتال المسلمين الشيعة، فتحول اسمه، بحكم
السحر، قرظاويا نسبة إلى بني قريظة، فصدق حكم القرآن عليه : {{ يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ
بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ
إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ. [المائدة:51]... إن لم يعتذر
لعلماء الثريا، فيتوب الله عليه، ونعوذ بالله من السلب بعد العطاء، ونسأله تعالى
حسن الخاتمة لنا وله، ولسائر المسلمين. وقد كنا نحترمه، إلى أن استنكرنا منه مواقف
ليست من الفهم والحكمة في شيء، منها موقفه من نظرية التطور ومنها موقفه من قتال
أهل القبلة.
فانظر يا صديقي إفراقيش خطر فعل سحر يهود للعرب الذين
ابتدعوا اسم السنة والشيعة وغيرها من التصنيفات التي ما كانت في عهد الرسول صلى
الله عليه وسلم وعلى آله. والأمور كانت واضحة وضوح الشمس في النهار في دمشق، حتى
أن الرايات التي كانت ترفع في الحرب تظهر فيها شعارات يبدي فيها المتناحرون ولاءهم
بدون تكتم أو تحفظ. فهذه كتيبة يزيد، وتلك كتيبة بني أمية، وأخرى كتيبة الترك
الذين هم من نسل يافوت، ويافوت هو جد
ياجوج وماجوج، وجد الجرمان والصاكصون الذين يشكلون حلف الناتو في هذا
الزمان...
لما وعيت ما يخزنه الصندوق الثالث من أسرار لفك طلسم المنارة البيضاء، شغلت مفتاح
العمل لأخراج تلك العلوم من القوة إلى الفعل، وذلك هو العلم النافع. فصارت لي همة قاهرة،
قذفت بوتد الشام نحوي. رأيته مترددا في قدومه يقدم رجلا ويؤخر أخرى، يريد التفلت
من المسؤولية التي اختلط فيها الحق والباطل اختلاطا لا يميزه إلا من آتاه الله علم
البرازخ. لكن الهمة غلبت عليه، فأتى مستسلما ليعطيني قهرا ربع السر المتحكم في سحر
العرب.
فلما جاءني التمكين من هذا الوتد الغريب الذي لا يتكلم،
بسبب ثقل الفتن الظاهرة في الشام. فهو مغموم مهموم بدفع أخطار جسيمة توشك أن تحل بالعرب
من جهته، وقد صاروا فضيحة الزمان في سفك الدماء، فيواخذ كثيرا بذلك وتقع عليه
الملامة في الاجتماعات التي يعقدها مع الأوتاد الآخرين.
ولم أنتزع مساعدته إلا بعد أن قذفت في فهمه الباطن ما
تيسر من علم البرازخ، وبينت له تفاصيل المهمة السرية التي كلفتني بها مؤسسة الحزين
بمساعدة الحكيم السوسي مداوي الكلوم.
لقد فهم الوتد الشمالي عبر ذلك التواصل الإلهامي، أن الغرض
من مهمتي هو كسر طلسم قصر الجرف الذي سحر الأعراب فخاضوا حروبا لا ناقة لهم فيها ولا
جمل، إلا من أجل إرضاء يهود في الارتواء بدم البشرية. ذلك هو شرط فسخ طلسم الغرقد
كما بينه عفاريت إصفهان. هؤلاء كما ذكرنا من قبل هداهم الله فأسلموا. فكانت لهم
أعمال جليلة كفروا بها عما ما مضى من ذنوبهم: أطلقوا سراح علماء الثريا الذين
رجعوا آمنين إلى حصونهم لإتمام أعمالهم في تمكين المسلمين من ثمار علوم الطبيعة وتطبيقاتها
التكنولوجية. ثم شرعوا في تعطيل عمل المفسدين من حكماء صهيون، وقد مر الحديث عن
ذلك.
وقد آن الأوان لفك ما بقي من طلسم المنارة لرفع السحر الجاثم
على العرب. ينقصه الشطر الثالث الذي يستند إلى الحفظ من الشيطان من جهة الشرق، فهو
الشطر الذي يتصرف فيه الوتد الثالث.
الوتد الثالث يحذر: " ويل للعرب من شر قد اقترب"!
فقال لي صاحبي العفريت أفراقيش، الذي كان يتتبع ما جرى
مع الوتد الثاني مستغربا هو كذلك من حاله المبهوت، قال : أنا مشتاق وبي لوعة لاكتشاف
سر الوتد الثالث. فقلت له ما العمل ؟ فقال لا أدري. قلت له: من قال لا أدري علمه
الله ما لا يدري، فأنت لا تتصدر للفتوى كما يفعله بعض الفقهاء الذين يزرعون الريح ...
فسبقني فكمل لي المقولة ضاحكا : فيحصدون العاصفة "صاندي"!!. فقلت له لو سمعك الوتد المغموم لانفرج عليه حاله من ضحكتك
التي كأنها تأتي من بئر معطلة أو قبر مهجور... ولكن قم بنا لفعل سبب، فالأمر جد،
لكن لا بأس من شيء من المزاح المباح للتفريج عن النفوس، فذلك من السنة... هيا بنا بنية
السياحة في أرض الله، ننظر عن قرب تلك المنارة التي ربط القدر بها أحداثا من أخطر
الأحداث في حياة البشر.
فلما اقتربنا منالمنارة البيضاء شرق دمشق، كاد إفراقيش أن يقلل من قدرها، عكس ما حدث له لما رأى المسجد النبوي. أما
أنا فلم أكن أعبأ بشغبه لأنني أرى ما لا يرى، وأسمع ما لا يسمع.
تمثل لي في زاوية من زوايا المنارة كائن نوراني لم يكن
من جنس الإنس أو الجن. فألهمت في الحين نسبته إلى روح الله عيسى ابن مريم عليه السلام، وروح الحسين
رضي الله عنه، وروح الخميني رضي الله عنه. والكائن النوراني لا يتكلم إلا رمزا، ينقش
في الدماغ، فيحصل التفهيم في الحين... يريد القصاص من الذين آذوا المسيح عليه
السلام، ومن بولوس المغير لدين عيسى، ومن الذين سفكوا دماء علي والحسن والحسين وذريتهما
من بعدهما. فقلت له إن ذلك هو سبب مجيئي لفك طلسم المنارة البيضاء. فقال لي رمزا
وعاه قلبي: لقد أشار لك طلسم الغرقد أن مفتاح السر هنا في المنارة البيضاء لإحقاق
الحق وإزهاق الباطل، وهو كذلك. لكن المنارة لا قبل لك بفك طلسمها إلا بذكر تعاويذ
مكتوبة على رجل مائدة سليمان الذهبية. فقلت له أين أجدها؟ قال : هي في هذا العهد
مخزونة في دفائن ملك من ملوك ياجوج وما جوج. فقلت في نفسي والله إن هذا لأمر محير! كيف ترتبط هذه
العقد بعضها ببعض !... والحاجة لهذا الروح العظيم هي من جنس حاجة الإمام
المهدي للنبي روح الله عيسى بن مريم عليه السلام. فتواضعت له لما تذكرت تواضعه في
اتباع شريعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وصلاته خلف الإمام المهدي.
وقلت له ممجدا: أيها الروح المتحيز في عالم الخيال المنقوش
على ذاكرة الزمان، مجدك الرب فبرأك من القول الذي نسبوه إليك، فبشرك بجزاء: {{ هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم لهم جنات
تجري من تجري من تحتها الأنهارخالدين فيها أبداً رضي الله عنهم و رضوا عنه وذلك هو
الفوز العظيم}}. " المائدة: 119". ما السبيل أيها الروح العظيم إلى تلك
الدفائن؟ فاقترب مني طيفه وتلبسني لطفه فتلاشيت في العماء الخارج عن حكم المكان
والزمان، وعرج بي في أقطار السماوات والأرض. وفي معراجي، التفت إلى وراء الزمان
فرأيت "هولاكو" زعيم التتر، يمضي تصاريف القدر، في إنزال غضب الله على
بغداد. رأيت بتفصيل أحداث سقوط الخلافة العباسية. رأيت بعين البصيرة كيف تم تقييد الخليفة العباسي المستعصم بالله، وكيف أجبر على
السير في أغلاله أمام حاشيته وجواريه وغلمانه وزوجاته وأولاده وبناته، لكي يدل
التتار على كنوز العباسيين. وبعد أن دل
على ما كان منها فوق الأرض، وما كان منها تحت الأرض، وما كان منها معلقا في الجدر
والسقوف، أمر هولاكو أن يوضع في كيس ويقتل رفساً بالأقدام في عرض إذلال ومهانة لا
تنسى... فلما تساءلت في نفسي أين كان عقل هذا الخليفة حتى وصل إلى هذه المأساة؟
رجع الزمن بي إلى أمس قريب من المذلة. فأريت "إحاطة جيوش التتر بدار الخلافة،
يرشقونها بالنبال من كل مكان، حتى أصيبت جارية كانت تلعب بين يدي الخليفة وتضحكه،
وكانت من جملة حظاياه، وكانت تسمى عرفة، جاءها سهم من بعض الشبابيك فقتلها وهي
ترقص بين يدي الخليفة رقصة قريبة من رقصة "الهيب هوب" !.. فانزعج الخليفة من ذلك وفزع
فزعاً شديداً، وأحضر السهم الذي أصابها بين يديه، فإذا عليه مكتوب: "إذا أراد
الله إنفاذ قضائه وقدره، أذهب من ذوي العقول عقولهم"، فأمر الخليفة عند ذلك
بزيادة الاحتراز، وكثرة الستائر على دار الخلافة" !!! ليس إلا.
بعد مقتل الخليفة
وجميع علية قومه، وبعد تحصين كنوزهم خالصة لهولاكو، كان أقسى منظر شهدته البشرية
استباحة بغداد أياما للجند، يفعلون ما يشاؤون. وهو جزء من الويل الذي حذر منه
النبي صلى الله عليه وسلم في نبوته الصادقة " ويل للعرب من شر قد اقترب".. انساب جنود هولاكو إلى شوارع بغداد وديارها
وأسواقها، يقتلون ويأسرون ويغتصبون ويسبون ويدمرون ويحرقون. رأيت بعين البصيرة تلك
المشاهد الشنيعة، ورأيت دجلة وقد جرى الدم فيها أكثر من الماء، وتمكن التتر من
عبورها فوق أكوام كتب بيت الحكمة التي مزقت ورميت فيها. وحينها تذكرت ما قاله
المؤرخ ابن الأثير الذي عاصر تلك الأحداث الجسام. قال: " ولعل الخلائق لا يرون مثل هذه الحادثة إلى أن ينقرض العالم، وتفنى الدنيا
إلا يأجوج ومأجوج، وأما الدجال فإنه يبقى على من أتبعه، ويهلك من خالفه، وهؤلاء لم
يبقوا على أحد، بل قتلوا الرجال والنساء والأطفال، وشقوا بطون الحوامل، وقتلوا
الأجنة".
والاستثناء الذي أدرج ابن الأثير في
غير محله لأن التتر الذين خربوا دار الخلافة هم صنف من ياجوج وماجوج ذلك الزمان،
ولكل قرن من القرون جنده الذين هم على قدم ياجوج وماجوج نهاية الدنيا.
ثم أشهدت في عالم
الخيال في معراجي عبر الزمان انسحاب هولاكو من بغداد إلى همذان بفارس، توجه إلى
قلعة تسمى: قلعة شاها على شاطئ بحيرة أرمية، في بلاد فارس. وفي هذه القلعة وضع
الكنوز الهائلة التي نهبها من قصور العباسيين، ومن بيت مال المسلمين، ومن بيوت
التجار وأصحاب رءوس الأموال وغيرهم.
فانتهى السفر عبر
المكان والزمان صحبة طيف الروح المنزل على المنارة البيضاء، والذي أرشدني إلى
تفاصيل السر الجاثم على طلسمها. فأسرعت في تفقد الدفائن في قلعة شاها، فكانت على
الحال الذي تركها عليه هولاكو. باغثته المنايا فلم يتصرف فيها إلا بالنزر القليل.
والباقي طمس عليه وتسلط عليه طلسم المانع،
قرنا بعد قرن، إلى هذه اللحظة التي وفدت عليه، أنا وطيف الروح الغريب.
لقد ارتفع الطلسم الذي
كان يخفي الكنز بمجرد أن ذكرته مقلوبا أي "مسلط". و كان طيف الروح هو
الذي دلني على سره. فما كانت لي التفاتة إلى نفائسه التي تزلزل القلوب التي في
الصدور. صرف الله قلبي عن الشغف بوهج ذهبها، وتلألإ جواهرها العظيمة، التي مارأيت
ما يقاربها إلا في نفائس كنوز ملكة الإنجليز التي سرقتها من مهرادجات المغول
المسلمين في الهند.
كان هاجسي هو البحث
عن مائدة سليمان الذهبية. أخرجها المارد المانع بعدما تحكمت فيه برمز طلسم مقلوبة،
فارتفع حكم "مسلط" وهو المانع. فتفقدتها باحثا عن مفتاح سر المنارة
البيضاء المنقوش في أحد أرجلها. وبينما كنت أتفقدها متعجبا، إذ صدمت لما رأيت أن
المائدة فقدت رجلا من أرجلها. وهي بالذات الرجل التي نقش عليها رمز مفتاح المنارة.
وظننت أن المارد
المانع سرقها. فبادر المسكين بدفع التهمة التي قرأها مباشرة من مخيلتي قائلا
" مهلا سيدي إن المائدة وصلت من بلاد المغرب إلى دمشق بدون رجلها الرابعة.
وهكذا تسلمها آل العباس من بني أمية، وهكذا سقطت في يد هولاكو. فقلت له أين هي إذن؟
فقال
كان قد خبأها طارق بن زياد مع كنوز له قرب طليطلة في الأندلس. هناك كان رهبان
كنيسة طليطلة قد سلموا له المائدة كاملة. ولقد استخلص لقبيلته الرجل الرابعة، خمسا
حلالا من الغنائم لما شهد هو وزعماء قبيلته الأمازيغية سوء تصرف القائد العربي
موسى بن نصير، وإهانته له ولكل الجيش الأمازيغي الذي فتح الأندلس معه... شدد عليه
في طلب المائدة وكل الكنوز الأخرى لكي يذهب بها إلى بلاط بني أمية في دمشق. فزعم طارق
أن الرجل فقدت. فضربه القائد العربي بالسوط، وكادت أن تشتعل نار الفتنة بين العرب
والعجم حينها لولا لطف الله.
ثم بعد طارق بن زياد،
شاع عند الجن المرافقين لبني هلال في أسفار تغربتهم لتأديب الأمازيغ على خروجهم من
طاعة الفاطميين، شاع أن رجل مائدة سليمان الذهبية ورثها الملك البربري زيري بن
عطية، وهي الآن مخبأة مع الدفائن الزيرية، في مغارات جبل شاهق قرب مدينة الجرادة
في المغرب الأقصى. فكانت تلك الأخبار مما قوى من طمع العرب الغزاة، فزحفوا كالجراد
المنتشر يفعلون في بلاد مازغستان فعلا من
جنس فعل التتر.
أمر لا يستقيم حتى في عالم الخيال!!! أن
يكون طلسم الغرقد قد بدأ في مازغستان، وأن يكون سر فسخه في مازغستان كذلك...
ما كنت لأستسلم
للحيرة والذهول من هذا الأمر رغم غرابته. وإلا اختل قصد فكرتي، وتأرجح هدف حركتي. فانبرى فكري مستعينا بالله، لتدبير سبب للعثور
على رجل مائدة سليمان. والفكر ذاته سبب من الأسباب، يلهمه الله ثم ينسبه لنا،
فتكون الفكرة مثمرة إذا كانت ذاكرة لله واستحضرت قوله عز وجل {{ ففهمناها سليمان
وكلا آتينا حكما وعلما وسخرنا مع داود الجبال يسبحن والطير وكنا فاعلين}}
"النمل : 79 " .
ومن تفهيم سليمان، كانت
فكرة نقش مفتاح سر المنارة على رجل مائدته الذهبية. فربط سليمان تحصين يهود،
بديمومة الصراع بين الحق والباطل الذي تنفك عقده عند المنارة البيضاء شرق دمشق.
هناك يتم الزيال والتمييز بين أنصار مهدي الزمان وأنصار دجال القرن، بشهادة من هم
على قلب وعهد عيسى. فترفع الحصانة عن يهود بمجرد تحيزهم في المكان مع ممثل الدجال.
ويرفع التحصين كذلك على من تحالف معهم من الأعراب النواصب فيهلكوا معهم لأنهم صاروا
منهم بحكم التبعية والتآلف. وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله في قوله:
( الأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها
ائتلف وما تناكر اختلف ). لقد ربط أحد حكماء العصر سقوط إسرائيل بسقوط عروش ملوك
الطوائف، لكن استشكل عنده الأمر فيمن سيسقط أولا. اليهود أم أمراء النفط؟
والأوتاد لم يستشكل
عليهم الأمر بما لهم من كشف يأتيهم من مصدر من مصادر العلم اللدني . ويقال أن
الخضر يحضر اجتماعاتهم، والله أعلم بذلك لأنهم رجال أمانات، لا يذاع لهم سر.
وعند فسخ السحر ترتفع
المواثيق والعهود، وتتكسر الأحلاف الجاهلية التي ليست من الدين في شيء، رغم فتاوى
زعيم فقهاء الأعراب زمن الربيع العربي، الذي له اسم ينسبه إلى قريظة، إلا أنه فقد
عصا ظاءه، كما أشرنا إلى ذلك، في الحرب التي أوقدها على أهل القبلة في إيران وفي
بلاد الشام. ولقد مل البعض تكرار هذا الكلام لكن ربما كان سببا لتوبة الرجل قبل
موته والله أعلم...
هكذا سيصرف الله عن عامة
العرب الذين يتبرؤون من قتال أهل القبلة، مذلة الخيانة والقتال في صف بن إسرائيل
وحلفائهم. ولن يبق مع يهود إلا من يستعد للملحمة التي كتبها الله عليهم، وعلى من
تولوهم، وخاصة الفقهاء الذين قيل عنهم في الحديث إنهم سيكونون أشد الناس عداوة
للمهدي المنتظر. وكذلك يفعلون مع ممثليه في كل زمان. وقد مر ذكر ذلك بتفصيل ولا
نكرره إلا بنية الرجاء من هؤلاء أن يفيقوا من تلبيس إبليس عليهم، ونأسف كثيرا على
تماديهم في الخطأ القاتل...
وسيكون من تأثير فسخ
السحر عن العرب، تفرق الناس عن الدجال الذي يرابط في قصر الجرف على مشارف المدينة.
وذلك هو المفتاح الذي ينتظره عفاريت يهود
اصفهان الذين أسلموا، يمكنهم من التحكم عن بعد على ممثل الدجال، ثم من رفع طلسم
الغرقد، فتزول الحصانة عن يهود. لكن قبل ذلك، وإلى حدود سنة 2026 كانت كوارث
حروبهم النووية من المصائب التي لم تشهد
البشرية مثلها حتى في عهد التتر. وتلك الأحداث ذكرها مؤرخو العصر بكل تفاصيلها
المسجلة على الذاكرة الرقمية المنقوشة في كل مكان، برا وجوا وبحرا وحتى في
المسابير التي ترسل إلى المجرات البعيدة. وليست من موضوع قصتي، ربما سيأتي ذكرها في القصص الأخرى.
ذلك ما يبين خطورة
المهمة التي تنتظرني في بلاد مازغستان وبالذات في الخرائب الزيرية بين مدينة
الجرادة ومدينة الوجد، التي اسمها يبشر بوجود الحل المنقوش في رجل مائدة
سليمان... هناك سألتمس الوتد الرابع المالك للشطر الأخير من طلسم الغرقد. يحفظ
الله به أهل الأرض من جهة المغرب، إلى أمريكا وهاواي. وهناك يعوض بحفظ وتد المشرق.
وهناك يلتقيان عند مجمع اليومين اليوم وأمسه. إشارة إلى مجمع البحرين، مكان لقاء
خضر وموسى عليهما السلام.
وقد سبق لي أن تعرفت
إلى بعض خصاله، دلني عليها وتد الشرق. قال عنه: إنه الأقوى منا همة، فأهل المغرب
في مأمن من الفتن التي تهلك الناس في الجهات الأخرى. دفع الله به عنهم الحملات
الصليبية، وحملات أبناء عم يأجوج ماجوج من التتر والترك العثمانيين والفندال
والقوط، ولم تسفك فيه دماء كثيرة زمن الربيع العربي، وغيرها من الفتن التي كان
آخرها محاولة أمراء النفط إقحامهم في الخدمة
معهم في جيش يهود لقتال أهل القبلة، كما فات أن فعلوه مع الذين هم من أصحاب
الشقاق والنفاق من أعراب العراق بزعامة صدام التائب، تقبل الله توبته.
وكان لوتد المغرب أذكار
يدفع بها الخطوب، هي الملهمة لنظم الدمياطي،
في قوله:
وانت وكيلى ياوكيل
عليهم {} وحسبى إذا كان القوى موكلا
متين فمتن قوتى
وتولنى{} فمن ياولى منك أولى لي بالولا.
وكذلك للدعاء
الناصري الذي جاء فيه:
بك استغثنا يا مغيث الضعفا
{} فحسبنا يا رب أنت وكفى
فلا أجل من عظيم
قدرتك {} و لا أعز من عزيز سطوتك.
وكان كذلك ملهما لذكر
اللطيف "اللهم
يا لطيف نسألك اللطف فيما جرت به المقادير، لا تفرق بيننا وبين إخواننا
البرابر".
وهنا استوقفت الشاب فبرايار وقد مضى من الليل نصفه وزيادة.
وكنت مع نزلاء المأوى، كأن على رؤوسنا الطير، ننصت منتبهين متعجبين إلى حكاية
الشاب فبرايار. ولما خفنا على فوات صلاة الصبح، وقد ذكرتنا بها تلك الأدعية، قلت
للجماعة: ما رأيكم في تأجيل سماع بقية القصة إلى الغد إن شاء الله، فإننا والله ما
سمعنا أكثر منها غرابة في حياتنا، وفوائدها الكثيرة قد لا تنقضي الأيام في عدها
للاعتبار والموعظة. فاستحسنوا الرأي، وختم الجمع بدعاء كفارة المجالس.
واختليت بصاحبي فبرايار
لما انصرف الشباب إلى غرفاتهم راشدين. وقلت له: أرى أن ألغاز قصتك قد اختلطت عليك مع ما سمعت من
قصتي، "ودار الزمان في بلاد مازغستان" فأجابني: والله يا سيدي ما اختلط
علي من الأمر شيء، وكنت قد قرأت في ضميرك لما ذكرت الدفائن الزيرية أنك ستشك في
قصتي. فقلت له : وهل يمكن أن يحدث ذلك اتفاقا أوصدفة، أن تلتقي قصتي وقصتك في
الهضاب العليا في الخرائب الزيرية؟ فأجابني الفتى: ربما ليس ذلك صدفة أوعبثا، فكل
صغيرة أو كبيرة في كتاب مرقوم، ولحكم محسوم، ليقضي الله أمرا كان مفعولا. وستنفك ـ
والله أعلم ـ عقدة الحكاية لما ننتهي من
قص القصص كله، لعلها تكون عبرة للعالمين،
والله على كل شيء قدير.
قلت له: مهلا يا فتى! الآن فهمت لم سألتني هل بقي
شيء من حق ابن السبيل من الكنز الذي كانت أمي تنفق منه على شباب إمهواش، أتاني به الجني المسلم فرياطيل من نفس
المكان الذي ذكرت ... فتبسم ضاحكا من خطرتي، وقال: لم أشك قط أنني عثرت على من سيساعدني في مهمتي!!!
قلت له: اسمع يافتى أصلحك الله، وجعلك من الفاتحين، أن الكنوز تتلاشى، ولو كانت مثل
كنوز قارون. والرجال تفنى ولو كانوا من الأوتاد وما دونهم وما فوقهم. والأيام دول بين الأمم، ولا ينفع من سعي الإنسان الذي
سيبعث فردا إلا صدقة جارية أو ولد صالح يدعو له أو علم ينتفع به.
ربما من أعظم
الفوائد التي ستجنيها بعد سياحتك في أرض الفتح، ذلك العلم النافع الذي سيستخرجه
النبهاء من نظريتك الجديدة لتوجيه المستقبل، بعد الاعتبار والتفكر في مختبر الماضي
والحاضر.
فأجابني الفتى
الأديب: وأي نظرية تعني ياعم؟ إنما كنت أروي قصة سفري في أرض الفتح، وقصصا جاءت
على لسان الأخيار، الذين كنت أقتفى منهم الآثار، أوتجمعني بهم الأقدار في مسالك الأسفار. ومما لاريب فيه أنك
واحد منهم، وكذلك الشيخ السوسي "مداوي الكلوم".
قمت أودع الفتى
قائلا: ولتكن إن شاء الله تتمة الحديث بعد الرواية للألغاز التي من ورائها تسقط
أمم وتنبعث أمم، وتتطاير الأعناق عن رقابها... ولله الحجة البالغة. ونعوذ بالله من علم لا
ينفع. وغدا بحول الله ستكون للحديث بقية. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ
عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ
الْعَالَمِينَ. أستودعك الله.
يتبع…
ساوث
باند، إنديانا ـ بتاريخ 24 أكتوبر 2012
محمد
المهدي الحسني
غلاف نهاية الكتاب
فارقت الشاب إذن وقضيت بقية يومي، وكذلك اليوم التالي، مع عشيرتي التي
استقبلتني استقبال أبنائها البررة. وكانت أمي كما ذكرت في القصة الأولى، قد صارت وجهة
لكل من كانت له حاجة إلى رأس مال أو قرض حسن، يقيم به مشروعا من مشاريع الدنيا التي
هي مطية مشاريع الآخرة. كانت تنفق بدون حساب من الكنز الذي أحضره لي صديقي الجني "فرياطيل" من الدفائن
الزيرية كما تذكرون. فلما كان موعد لقاء الفتى فبرايار، عرجت على مأوى الشباب بعد
صلاة العصر.
هذه القصة الخيالية
تنذر العرب
من شر قد اقترب...
|
... أرجعني الحكيم مداوي الكلوم إلى واجب الحاضر
بعدما زودني بعبر الماضي قائلا : لم يبق لي يا فتى إلا أن أخبرك بالدور الذي لا
ينوب فيه عنك أحد. إنه مرتبط بفلكك في أبراج السعد، الذي تتناغم فيه روحانيتك مع
اصطفاف الكواكب العلويات فتقوى بذلك على المهمات السفليات. أنت الوحيد الذي يملك
مفتاح المرحلة. خذ هذه الصناديق الغيبية
المرقمة من واحد إلى أربعة. استمع واقرأ ما في الصحف الأولى المخبأة فيها.
تعاليم واضحة وضوح الشمس في النهار، سوف تجدها في كل واحدة منها، اتبعها ولا تلتفت
إلى من يريد أن يصدك عنها...
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق