كنوز الأعماق المخفية







كنوز الأعماق المخفية



حكايات من نسج الخيال




محمد المهدي الحسني

12 ربيع الأول 1434 موافق  24 يناير 2013










بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله 

كنوز الأعماق المخفية


المحتوى:
تنبيه
افتتاح
تذكير بالرؤيا الغريبة
استهداء
من "أبي المياه" إلى "أم الربيع"
كنوز الأعماق المخفية
الدليل
وصية
معركة وجود
جذور نهضة وأسباب نكسة
عوائق العبور
التجارة الرابحة
رعب الأعاصير
أمانة وابتلاء
خاتمة








تنبيه:


من بلاد مازغستان، سنة 2056 ! 
بعد ثورة الشعوب التي عمت العالم انطلاقا من تونس… 
حكايات من عوالم الشهادة، والخيال، والغيب، والبرازخ التي بينها، لا يقيدها عقال…
فمن ربط أحداثها أو أشخاصها بما هو موجود في الوجود، فليتحمل تبعات الجحود بتنزيه الخيال عن القيود والحدود…
ولقد رُفِعَ الْقَلَمُ عَنِ الحالم حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ المتخيل حَتَّى يعقل”.










بسم الله الرحمن الرحيم

كنوز الأعماق المخفية
حكايات من نسج الخيال







كان الشباب في منتدى الغرابة على استعداد لجلسة أخرى من جلسات الاستماع لقصص شيوخ ربيع الشعوب. اشتغل فيها المهندسون لربط الاتصال المرئي بالشبكة التي تتابع أعمال المنتدى في أقطار العالم. وفتح المجال كذلك لعامة الراغبين في الأمصار الحامية المتحدة للمساهمة في ورشاته المفتوحة. ولقد رفع مستوى حماس المشاركين إلى أقصى الدرجات، بسبب الأفكار اللواقح التي كانوا ينتجون في منتدى الغرابة وفروعه. تم ذلك بعد درء مفاسد الجدل العقيم، عندما وحدوا المفاهيم، ودققوا المنهاج القويم، فاستقرت الأقدام على الصراط المستقيم.
استقبلني الفتى فبرايار عند باب مؤسسة ابن السبيل. وجريا على عادته المحمودة، أراد أن يخبرني بمستجدات المنتدى. فاقترحت عليه أن يستهل بها المجلس لكي يطلع عليها المشاركون في منتدى الغرابة عبر العالم.

افتتاح

قال الفتى فبرايار مفتتحا أشغال المجلس: نحمد ربنا الهادي، بفواتح الحمد والشكر التي ترضيه، على نعمه التي لا يحصيها العد. وصلّ الله وسلم وبارك على سيدنا ومولانا محمد، وعلى آله، صلاة تحل بها العقد، وتفرج بها الكرب، وتقضي بها الأرب، وتبلغنا بها الطلب، صلاة دائمة بدوامك، باقية ببقائك، صلاة ترضيك وترضيه، وترضى بها عنا يا رب العالمين.
أما بعد؛ لقد اجتهد بعض المشتغلين في المنتدى بين الجمعتين، وأستفرغوا وقتهم لموضوع التطبيقات الميدانية، والتدقيقات التقديرية  للنموذج المعبر رياضيا عن النظرية التي استنبطوها.
ثم قال: لقد تزاحم الناس، ولا يزال الطلب في صعود لكي تدرس حالات بعينها، قد أتى بها أصحابها من أجل الانتفاع بدقة التوقعات وشمول التغطيات. أحزاب وجماعات ومؤسسات وجامعات، وغيرها من التجمعات المهتمة بالتخطيط والاستشراف، جاءت بالمعطيات الضرورية لنمذجة مستقبلها لكي لا تلبث في ثقافة الإبحار بدون بوصلة. ومن لا بوصلة له فلا يلومن إلا نفسه إن رمته التيارات الجارفة في بحور الفتن التي تهدد المخلفين من الأعراب.

واستدرك قائلا: لكنني لم أدخر جهدا في نصح الشباب بعدم الاستعجال. ونصحت لهم بأمرين اثنين بعد أمر التؤدة. نصحت لهم بتوسيع مجالس الشورى في تحديد المعطيات المعلومة أو المفترضة التي منها نستنبط المجهول من المعلوم عبر نظريتنا. واقترحت عليهم انتظار نهاية مجالس القصص، لكي تتوسع لنا آفاق الرؤية وبعد النظر، من خلال تجارب الشباب والشيوخ.
وقد حان وقت الاستماع لمقدم شيوخ الربيع فليتقدم مشكورا.

تذكير بالرؤيا الغريبة

قال مقدم الشيوخ : تذكرون يا شباب النهضة، أن مداوي الكلوم سدد لي الوجهة في عالم الشهادة، تأويلا لما جاء في الرؤيا التي ذكرت في قصة " تغريبة في بلاد الصخور الصفراء والعين الحامية". أشار لي أن أتبع وجهة منابع الأنهار العظيمة، عوض أن أسلك مجاهل النهر الأحمر العاصي. فكانت سفرتي إلى نهر ميسوري و"العين الحامية". والميسوري هو رافد كبير لنهر الميسيسيبي العظيم. فلما انتهت مهمة العين الحامية في بلاد الصخور الصفراء، أتممت تأويل الرؤيا مستنيرا بحديث شعب الإيمان[i] وروافده، وأعلى رافد للإيمان شهادة التوحيد... فألهمني حدسي السفر إلى أعالي نهر ميسيسيبي أو "أبي المياه" كما يسميه السكان الأصليون، فهو يسقي معظم الولايات ذات الأغلبية الحامية في العالم الجديد. وكانت نية السفر، زرع الكلمة الطيبة في أعالي النهر، لتعم البلاد خيرات الشريعة. وقد كانت رحلتي إلى بلاد الصخور الصفراء والعيون الحامية، غايتها المرحلية تحرير ابناء حام من الحاجة إلى الطاقة الملوثة. والطاقة الملوثة زيادة على احتكارها من لدن أبناء سام، كانت تفجعهم بإعصارات متكررة ومتنامية في قوتها التخريبية لمناطق الحوض، وخاصة مصب النهر الذي شهد فواجع إعصار كاثرينا.  

ولقد اخترت لكم هذه القصة لما لها من مناسبة مع ما وصل إليه اهتمامكم بالعلم النافع المؤلف بين قوانين الله الخلقية وشرائعه الأمرية {{ولله الخلق والأمر}}. ذلك من أجل تحصينكم من فضول الكلام، تضج به معظم وسائل الدعاية والإعلام، أو ينتجه مرتزقة الأقلام، أو يهرف به سقيم الأفهام، أو يردده الرويبضات المنصبون في أعلى مقام. فهو من صنف الجدل، الذي يقعد عن العمل، ويفتح باب التنازع المؤدي للفشل. {{ كل حزب بما لديهم فرحون}}. "وما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل".

استهداء

كان يرافقني في هذه السفرة واحد من أولادي، الذي كان عبدا للهادي. فهو ملهمي في دعاء الاستهداء. وهو الدعاء الذي ينبغي أن يسبق كل عملية تشاورية من أجل بناء نماذج التخطيط المستقبلي. كان نبي الهداية سيدنا محمد يحافظ عليه، وهو المؤيد بالوحي فلا ينطق عن الهوى. فنحن لذلك الدعاء أحوج، والدعاء مخ العبادة، ومن كان له مخ سهل عليه الاهتداء لصحيح النمذجة، وهي فراسة المؤمن التي لا تخطئ.
كان طبيب القلوب عليه الصلاة والسلام يقول إذا قام من الليل يفتح الصلاة: "اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم."[1]
استلهاما من هذا الدعاء النبوي العميق، يقول شارح العقيدة الطحاوية [2]: "توجه صلى الله عليه وسلم إلى ربه بربوبية جبرائيل وميكائيل وإسرافيل أن يهديه لما اختلف فيه من الحق بإذنه، إذ حياة القلب بالهداية، وقد وكل الله سبحانه هؤلاء الثلاثة بالحياة. فجبرائيل موكل بالوحي الذي هو سبب حياة القلوب، وميكائيل بالماء الذي هو سبب حياة الأبدان وسائر الحيوان، وإسرافيل بالنفخ في الصور الذي هو سبب حياة العالم وعودة الأرواح إلى أجسامها. فالتوسل إلى الله سبحانه بربوبية هذه الأرواح العظيمة الموكلة بالحياة له تأثير عظيم في حصول المطلوب."
مطالب الحق في التفكر يمكننا استنباطها من معاني هذا الحديث الشريف:
·                    علم كيفيات بدء خلق الكون وعلاقته بالنفخ في الصور( تخصص إسرافيل)؛
·                    علم كيفيات بدء الحياة في المادة الترابية وعلاقته بالماء ( تخصص ميكائيل)؛
·                    علم كيفيات حياة القلوب وعلاقته بالوحي ( تخصص جبرائيل).
مطلب الهداية للحق في آيات الله الكونية وهي القوانين الطبيعية، تفصله العلوم الحديثة التي توسعت في ميادين البحث مستعملة ما استجد من:
أسماء وقوانين في قاموس العلوم، فطر الله الإنسان على اكتشافها منذ تقريره )وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ...الآيةَ) (البقرة:31)
  وسائل التقانة الحديثة، تضاعف قوى الحواس في مداركها، والعقول في مسارحها لاستقصاء الظواهر في الطبيعة.
أما مطلب الهداية للحق في حياة القلوب بقيم الشريعة، فلا سبيل إليه إلا عن طريق طب النبوة، وحيا من رب العالمين، تفسره سنة سيد المرسلين، ويجدده فهم العلماء المجددين،  حجة الله في أرضه على خلقه، فإن رحمة الله تبارك وتعالى باقية، ودائمة ما بقي الليل والنهار، عناية بالبشر، أتى بها صحيح الخبر، رواه  أبو داود في سننه بسند صحيح عن أبي هريرة، رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها ".
فهي إذن علوم عقلية تتطور بمستجدات العلوم الكونية تطلب التنوير بعبادة التفكر، وهي علوم قلبية تبلغ المراد عن طريق الذكر. فالفكر والذكر وسيلتان لتجديد الإيمان، وطب نبوي يحييه العالم الوارث لميراث النبوة، الذي يرسم طريق الخلاص الفردي والجماعي بتحقيق الغايات العدلية الإحسانية، فيكون مجددا للرحمة المهداة التي يسعد بها ساكن الأرض وساكن السماء.
علم كيفيات بدء خلق الكون ونهايته، غايته التوحيد الراسخ عندما يدلنا على قوانين الوحدة الكبرى التي تجمع الكون المادي وترده لأصل واحد، يصوره لنا الوحي نفخة في الصور، وتفصله لنا النظريات العلمية الحديثة ( نظرية الانفجار العظيم). ويربط ذلك كله بقوله تعالى )أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ) (الأنبياء:30) وبقوله: )يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ) (الأنبياء:104) . وقوله: )وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ) (الزمر:68)  وقوله: (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ) (فصلت:11).
وعلم كيفيات بدء الحياة في المادة الترابية غايته التوحيد العميق عندما نكتشف تلك القوانين الموحدة التي تجمع عالم الأحياء وتربطها بأصل واحد كذلك: ماء يحيي التربة ويسري معينا مهينا من خلق إلى خلق آخر، وتبارك الله أحسن الخالقين. ويربط ذلك بما كشف الله لنا في علوم الخلية والأجنة وتطورها أطوارا، وعلوم سريان المورثات والجينات من نشأة إلى نشأة أخرى نسبا وصهرا، )وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيراً) (الفرقان:54). ويربط ذلك بآيات الخلق التي يأمرنا القرآن للسير في الأرض لنتعرف عليها ليكتمل توحيدنا للخالق ونستيقن من خبر النشأة الآخرة. )مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) (لقمان:28)
علم غايته كذلك التفكر في النهاية الحتمية لكل مخلوق يحدد لنا أجل العناصر الطبيعية والخلائق كلها وكيفية تحللها ورجوعها إلى العدم الذي هو أصلها.
أما العلم الذي يخبرنا عن الحياة الأخرى الخالدة فلا سبيل لسبر حقائقه إلا عن طريق الوحي. ربنا لا تجعلنا من الذين قلت فيهم:  )يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ) (الروم:7)
تلك هي المعارف التي لخصها لنا أهل التحقيق من الذين رزقهم الله الفهم العميق في الكتاب المسطور والكتاب المنشور... وسموها "شجرة الكون".    

من "أبي المياه" إلى "أم الربيع"

فلما بلغت بدايات نهر" أبي المياه" في الأرض الأمريكية، كدت أن أحتقر البدايات فأتاني رادع " إن أول الغيث قطرة ". وغفوت هناك إغفاءة عميقة، خرجت فيها عن جسدي إلى عالم الخيال. التقيت فيه بطيف لطيف كريم عرفني بنفسه. فسلم وقال: أنا طيف ميكائيل، ملك الأنهار وسائق الأرزاق، اركب معنا  في مراكب ميسيسيبي الدولابية، ولا تكن من الغارقين في بحر الهموم العادية.
فما استقام لي حال التخلى من طبع التعلق بالفانية، حتى رجعت إلى طفولتي في الأيام الخالية. لم أرجع إلى أحضان أمي عندما كانت ترضعني، لكن رجعت في حلمي إلى ضفاف " أم الربيع " التي كانت مرتعا لذكريات الطفولة." أم الربيع" النهر العظيم الذي يسقي المغرب الأقصى من بلاد مازغ. و" أم الربيع" تذكيرا بربيع الشعوب المسلمة... سقاها من ثمار الكرامة الآدمية.
ألقاني طيف ميكائيل الرفيق، على ضفاف نهر أم الربيع في فج عميق، حفرته المياه الجارية والأمطار المنهمرة، بلطافة الصبر والإصرار، فنحتت شعابا شاهقة في الصخور الكلسية. هناك شاهدت نفسي في عهد الطفولة ضمن أطفال صغار يتواعدون في أيام العطل للنزهة والسباحة في النهر. كان عبور النهر يعد من المغامرات التي تمتحن عبرها شجاعة الفتيان. أما السباحة في المقاطع الهائجة فلا أقرب من التعبير عنه بما قيل: الداخل فيها مفقود والخارج مولود. لكن السبح في المقاطع الهادئة كان أشد رعبا لشيوع مقالة بين الفتيان: احذر السكوتي أكثر من الهرهوري... وقد صدقوا. فإن كلت ذراعك من السباحة في الراكد العميق، فهو طالبك في أعماق غوره غريق. أما الهائج المائج، ربما قذفتك أمواجه إلى بر السلامة، فلا يبقى من التجربة إلا الملامة. فذهب ذلك القول مثلا للحذر من الشعوب الساكتة، أكثر من الشعوب الثرثارة التي تجادل أكثر مما تعمل.
ثم نستلقي على الرمال نستمتع بدفئها ونركن إلى الاستراحة بعد عناء قطع النهر والمغامرة في المسافة الهائجة لا تشبهها في عين الرائي إلا جنادل كولورادو. ويسرح البصر في حافات الوادي السحيقة، وجدرانها الشاهقة، وكهوفها المعلقة بين السماء والأرض. فيتساأل الفتية فيما بينهم: من بنى تلك الحيوط التي تروم إغلاق أبواب كهوف معلقة بين السماء والأرض، لا يمكن الوصول إليها إلا كما نرى بعض الرجال المغامرين في التدلي بالحبال لجني عسلها ؟ فكأن الفتى الراعي الذي هو من أهل المكان سمعنا فقال: هي من بناء "البرتقيز"... فلم يبق في آذاننا من تلك الكلمة المرعبة سوى ما يبقى من أساطير سرنديب وجزر الوقواق وجبل قاف...
كانت نشوتي مع الذكريات قد بلغت مداها. ولم أعر رفقة طيف الملك الكريم انتباها. ووددت لو تركني وحدي هناك في المكان والزمان... فتبسم من تعلقي بشغب الطفولة. وقد علم ما ينتظرني في سفرتي في عالم الرجولة... قال لي فلنتبع سبب الكلمة التي أرعبتك في الصغر... قلت له: ما لي حاجة للكد في الأرض، دعني وشأني في مكاني هذا، و في زماني هذا. خيراتك في الطبيعة العذراء تكفيني. لم يكن يحجرها علينا إنس ولا جان. كنا نأكل مما نصطاده باليد من خيرات النهر. حتى الأنواع التي لا نراها اليوم إلا في نهر ميسيسيبي كانت لها مثيلات في أم الربيع. الشابل الشبوط النون كلب البحر والبط والأوز وسائر الطيور المهاجرة. ضفاف النهر كانت ملاذا لما يزرعه النهر بعد هيجانه المخيف من أشجار التين والعنب والخروب والنبق. أشجار الصفصاف الأبيض كانت تخفي بين ظلالها الوارفة ينابيع رقراقة، ظهورها واختفاؤها في مجرى النهر كأنها خلسة المختلس ...
كان جنات على الأرض قطوفها للجاني دانية. فلما تولى بعض الأعراب من صنائع الاحتلال الفرنسي على تلك الأراضي الحامية، قرروا تملك ما هو شركة عامة للناس في هذه الأصقاع النائية. فحجروا العيون الجارية. ثم حرثوا المسارح المرعية، ثم اقتطعوا الغابات التي كانت للتربة حامية... فظهر فساد التصحر. وغارت العيون ونضب النهر لما حجروا سيلانه الأزلي، في بحيرات السدود التي لا تبالي بقانون سفر سمك الشابل... ففهمها الشابل المسكين وغيره من دواب الماء. فلم يعد يجدد زيارته للمصب في أزمور... ذلك هو الفساد في الأرض... ذلك هو الفساد الذي يهلك الحرث والنسل عندما يعطل الحكم بقوانين الشريعة وبقوانين الطبيعة.
قلت لطيف الملك الموزع للأرزاق: المكان يسميه السكان المحليون بالأمازيغية "وار النفع" أي العين التي لا نفع لها لأنها تجري في وادي سحيق ثم تصب في نهر أم الربيع القريب. وقد كنت وإخوتي ورفقاء الطفولة نتعجب من ذلك الاسم . وقررنا تسميته "وادي النفع" لأننا كنا نأخذ من ثماره الكثيرة التي زرعتها الطيور والمياه بدون ثمن.
أجابني طيف ملك المياه والثمار مواسيا، قال: أعلم ذلك، وأعلم أيضا أن مياه العين الصافية كانت قاب قوسين من الاحتكار الذي يتخذ من الماء سلعة تباع في الأسواق.
ثم انتشلني من نشوتي في سكر الذكريات، وعرجنا، فما أفقت إلا على حفيف الرياح البحرية في مصب نهر أم الربيع. قال لي الطيف الكريم: كنا في مصب وادي النفع في نهر أم الربيع، يسمى زمور. ونحن الآن في مصب نهر أم الربيع في بحر الظلمات، ويسمى كذلك زمور... فاستعد للغوص في البحر لأريك عجبا جرت به المقادير، وكان فيه من الألطاف الربانية، ما دفع عن المغاربة خطرا كبيرا.

كنوز الأعماق المخفية

ضبط  الرفيق بوصلة الزمان ليوافق زمن الدولة الوطاسية الحامية. فاستقبلنا في عرض المصب الزموري أربعة أطياف أرواح جاءت من البرزخ. اجتمعنا بهم في عمق المصب في سفينة غارقة من السفن البرتغالية، كانت محملة بالتبر الخالص. فسلمنا عليهم وردوا بأحسن منها. وقرأوا في باطن عقلي، الهاجس الذي يحرك شبحي. فانبرى أحدهم فقال: إنا قد علمنا نبل مسعاكم، فهلا شاركتمونا في حسنات بركات خطاكم، فإنه قد تجمع لدينا مع مرور القرون علم نافع، لو وجد من ينشره بين أولاد حام لهذا الزمان.

فتركني الملك المحرك للرياح والمياه وحدي ليرى كيف أتدبر أمري. وقال معتذرا: دعيت في الحين لأحول مجرى أعاصير بحر الظلمات في اتجاهات كانت قدرا مقدورا. أستودعكم الله. فلما سكنت  رهبة الدهشة، هممت تحت سطوة حكم الغريزة، بالالتفات للإبريز المدفون مع السفينة في قاع المحيط. فهو الذي حرك أوروبا كلها لكي تمضي إرادة الله في توطين خلقه الحامي في أراضي العالم الجديد. فكيف لا يغريني وقد زين لي في القدر؟ فزجرني خاطر "إن لم تستحي فافعل ماشئت". فحولت نظري من الإبريز إلى المتكلم عن النفر الأربعة، قلت له: انتسب وعرفنا بما يصلح لنا من جانبك في مهمتنا. قال الرجل الوقور: كنت قد بعثت لكم طالبة من نساء سوس العالمة، وبدأت حديثها بمقطع من دلائل الخيرات الذي يفضله أهل سوس على هذا الإبريز الملعون وكذلك على إبريز "أقا" المسلوب. فأجبته نعم أتذكر مداخلة تلك الفتاة في القصة الأخيرة... فأجابني بصوت هادئ تشع منه نورانية غريبة بلكنة سوسية. قال: واغوثاه على "أمة الإسلام" في حوض نهر أبي المياه وفي العالم الجديد عامة... كان الناس يريدون الرجوع إلى دينهم الأصلي، لما وصلو العالم الجديد وهم في أصفاد العبودية. لكن المسلمين فرطوا فيهم. فتخاطفتهم حملات التنصير فصاروا كما ترون. حتى الفرقة التي سمت نفسها "أمة الإسلام" لم يفسحوا لها المجال إلا عندما علموا أن إسلامها فيه دخن كثير. وكثير ممن حسن إسلامهم،  مثل "مالكوم إيكس"، توزعتهم السجون والنكبات.

فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر زمن الظهور، وما بدلوا تبديلا... وهم الآن ينتظرون نصرة إخوانهم في الدم الذين أتى دورهم في التمكين. وينتظرون خاصة إخوانهم في الشريعة وقد أذن زمن بركة نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم وعلى آله. 
فلما علم عصاة بني إسرائيل وكذلك العنصريون من أبناء يافث ميل أبناء حام الطبيعي لما تنتشي به النفوس من سماع يهتز له الوجدان، رخصوا لهم في الكنائس بممارسة طقوس غريبة أفرزت ما سموه من بعد "ثقافة الميسيسيبي". وما تلك الثقافة سوى المكاء والتصدية عن ذكر الله والغفلة عن تمجيد رسله عليهم الصلاة والسلام. وأكثر الناس محاسبة اليوم في ذلك التفريط هم أمراء النفط والأعراب النواصب الذين يكفرون ويبدعون ولا ينفقون مما آتاهم الله من ثروات لكي تتألف القلوب على الإسلام الرفيق، الذي جاء رحمة للعالمين، لا نقمة تنفر وترهب وتقتل النفس التي حرم الله.
فتدخل ثاني الرجال الأربعة فقال اسمح لي يا سيدي، أنا أول المفرطين في الأمر فلم أؤد الأمانة على حقها. وأنا الآن مصمم على فعل شيء لأتدارك خطيئتي. فبكى حتى بلت لحيته ثم قال ملتفتا إلى جهتي : نعم سادتي، هذا الشيخ الوقور الذي حدثكم كان لنا في ما مضى قطب الزمان ومهدي السلام، الولي الصالح سيد محمد بن سليمان الجزولي الحسني. إليه انتهت الطريقة الشاذلية، وعنه تفرعت مدارس العرفان الرحيمة التي  يكثر اتباعها في كافة أنحاء العالم، في إفريقيا وخاصة حوض النيل العظيم. وقد نشر الطريقة السلطان العثماني في جميع أقطار مملكته من الهند إلى أوروبا مرورا بروسيا وبلاد العرب.
فلم تكن الطريقة في بدايتها سوى رباطا من رباطات الجهاد الأكبر وهو جهاد النفس لتستقيم على أمر الله، فتتصدى لمهمات الجهاد الأصغر وهو حماية البلاد والعباد من الغزو الصليبي. وقد كنت من ضحايا ذلك الغزو.
فلم يستطع الرجل النادم، الذي لم ينتسب بعد، حصر شهيق بكائه الحار.
فتداركه ثالث الرجال فقال مترجما عنه: هذا الرجل النادم الذي يحدثكم، شهد خطر البرتقيز الذين كادوا ان يحتلوا جميع بلاد الأمازيغ. فلا زالت آثار غزوهم معلقة في المغارات والجبال الأطلسية وكذلك في مخيال الشعوب المختزل في كلمة البرتقيز وعيشة قنديشة.
ثم استمر متحدثا عن الرجل المستغرق في غصاته، قال: هذا العبد التائب إلى ربه مات شهيدا فهو أقرب الناس إلى رحمة ربه. وقبل ذلك، كان مصطفى الزموري كما هو اسمه، ذات يوم من بداية القرن السادس عشر يستمتع وهو طفل لم يتجاوز العاشرة من عمره بالسباحة في مياه أم الربيع عند مصبه في أزمور، ويقتنص من سمك الشابل أو النون ويشويه مع رفاقه على ضفة النهر الرملية. ولم يكن ليتصور ما يخفيه له القدر. حتى باغتته أيادي تجار النخاسة والأسر. لقد أسره البرتقيز في بعض حملاتهم الصليبية. وشروه بثمن قليل إلى أحد النبلاء الإسبان وهو”أندريس دورانتيس دي كَرَانسا”، واصطحبه في رحلته الاستكشافية إلى مصب نهر ميسيسيبي وغرب أمريكا الشمالية. وخلال سعي البعثة الإسبانية وراء اكتشاف الذهب، تقطعت السبل بأفرادها وقضى كثير منهم غرقا بسبب الأعاصير أو بسبب المرض؛ ثم أن  مصطفى وثلاثة من رفاقه وقعوا في أسر السكان الأصليين، عام 1530. 
وبعد عامين، استطاع الزموري ورفاقه الفرار من الأسر وتنقلوا عبر قبائل الهنود الحمر، حيث ذاع صيت الزموري كطبيب أعشاب وساحر محنك يتقن عددا من اللغات المحلية. وبعد أن اجتاز الزموري بمعية رفاقه الوادي الكبير (ريو غراندي) نهاية 1535، استقبله بعض الهنود الحمر بحفاوة وتقدير، حيث اعتبروه من الآلهة، حسب أعراف بعض القبائل المحلية ومعتقداتها.

الدليل

وهنا أراد الرجل المستغرق في غصاته دفع التهمة عنه فقال حاشا معاذ الله ما كنت لأفتري  على ربي، إنما هي بركات " دلائل الخيرات " التي دلني عليها هذا الرجل الصالح. كنت أحتفظ بورقاتها في قلادة كانت لا تفارقني، أدخر فيها كذلك من الأدوات السنية ما أمرنا نبينا أن نتخذه في السفر... ومن ضمنها أقلام صنعتها من ريش بومة... كانت سبب هلاكي.
ثم ترك صاحبه يكمل القصة الغريبة. فقال: مرض الرجل النبيل الذي كان مصطفى له عبدا، وعاد إلى إسبانيا بعد تسليم مصطفى إلى ممثل العرش الإسباني هناك واسمه “ماندوزا”. قرر هذا الأمير بعث إرسالية أخرى لاستكشاف مدينة الذهب الأسطورية سيبولا في جبال بولاية أريزونا، وعين الزموري دليلا ومترجما فيها. لكن سرعان ما تخلف أمير الإرسالية، وذهب الزموري في اتجاه شمال المكسيك، قائدا مجموعة المستكشفين؛ حتى وصل منطقة ما يدعى اليوم بولايات " تكساس" و “أريزونا” و”نيو مكسيكو”، التي يعتبر المؤرخون أنه أول رجل “ من أبناء حام ” يطأ أرضها. 

لكن هذه المرة استطاع مصطفى أن يدفع عنه تهمة التأله... فاقتنع بذلك قائد القبيلة الوثنية التي كانت تثق في السحر فرأت في أقلام مصطفى المصنوعة من ريش بومة، نذير شؤم فقتله وفرق أعضاء جسده على القبائل لكي ينقطع اعتقادهم في ألوهيته. فهذه قصة شهادة مصطفى، نالها بفضل الاستغراق في ذكر الله والصلاة على نبيه بالصيغ الجامعة المانعة المادحة التي أشرقت أنوارها ساطعة في ورقات " دلائل الخيرات، وشوارق الأنوار في ذكر الصلاة على النّبي المختار".

وصية

وهنا طلب منا مصطفى أمرا غريبا، فقال : أرجوكم إن كنتم يوما قرب المنازل التي وطأتها أقدامي، كأول مسلم حامي، أن تربطوا الناس هناك بإسلام النبع الصافي الذي وصى به نبي الرحمة في حديث الثقلين: قال صلى الله عليه وسلم وعلى آله الأطهار وعلى صحابته الأبرار: { إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا }. أعلم أن القوم الضالين ربطوهم بعقيدة التثليث فاتخذوا روح الله عيسى بن مريم عليه السلام وأمه إلهين من دون الله. وأعلم أن القوم المغضوب عليهم يمكرون مكر الليل والنهار لكي يزوروا عقيدة "أمة الإسلام". وأعلم أن أغلب القساوسة يستغل سذاجة الناس، فيبيعون ويشترون باسم الدين المحرف... أرجوكم أيضا أن لا تلزموا الناس ما لا تتحمله طبيعتهم. أعلم أن الطبيعة الحامية التي تجري دماؤها في طينتي، ترتفع روحانيتها بشيء من ذاك السماع الذي يتواجد الناس به... قوموا جفوة الدعوة الوهابية وأقنعوها بمخاطبة الناس حسب طبائعم، بعد تنقية السماع من الشركيات، فما جاءت الرسل إلا بمهمة تحرير الناس من السحر والشرك وعبادة الأوثان والاستغاثة بالجن وبالصالحين الأحياء منهم والأموات.
وهنا تكلم طيف روح الشيخ الجزولى فقال أقسم بالله العظيم أني تركت جماعتي على المحجة البيضاء. وهل يسعني خلاف ذلك وأنا أمر في تكراري وتدبري لكتاب رب العالمين على قوله عزوجل: {{ وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَٰهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ ۖ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ ۚ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ ۚ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ ۚ إِنَّكَ أَنْتَ عَلام ُ الْغُيُوبِ}}. "المائدة؛ 116". وعلى ذكر عيسى عليه السلام وبناءا على ما اقترحه الفتى مصطفى ربما لو عمد المغاربة لتنقية السماع العيساوي من الشركيات لصلح ليتناسب مع السماع الروحاني الذي يهتز له الوجدان الحامي.

ذلك من أجل اتخاذ بديل لما سموه بثقافة حوض ميسيسيبي من سماع ظلماني ينفخه الشيطان في أنواع الموسيقى التي تسلب عقول أولاد حام هناك في الولايات الحامية الغربية...فاستغربت من فهم هذا الشريف الصالح وتذكرت ذالك التواجد الذي يحدث لأصحاب طريقة عبد الهادي بن عيسى في مكناس وغيرها من الحواضر والقرى... فهنا أيضا في مجال الفنون الجميلة، لا بد من مراعاة قوانين الطبيعة وقوانين الشريعة.
وتبقى تلاوة كتاب الله والصلاة على نبيه بالصيغ التي وردت في الكتاب والسنة تبقى هي الأصل لكل الأذكار والأمداح ولكل سماع يمجد الرب ورسله كما مجده سيدنا داود ، فتمايلت الأرواح والأشجار والدواب وجميع الخلائق لذلك السماع. ذلك ما يستخرجه المفسرون من قوله تعالى في سورة سبأ:
{{ ولقد آتينا داود منا فضلا ياجبال أوبي معه والطير وألنا له الحديد }} " سبأ ؛ 10".
" يخبر تعالى عما أنعم به على عبده ورسوله داود، صلوات الله وسلامه عليه، مما آتاه من الفضل المبين، وجمع له بين النبوة والملك والتمكين، والجنود ذوي العدة والعدد، وما أعطاه ومنحه من الصوت العظيم، الذي كان إذا سبح به تسبح معه الجبال الراسيات، الصم الشامخات، وتقف له الطيور السارحات، والغاديات والرائحات، وتجاوبه بأنواع اللغات. وفي الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع صوت أبي موسى الأشعري يقرأ من الليل ، فوقف فاستمع لقراءته ، ثم قال " لقد أوتي هذا مزمارا من مزامير آل داود ".
فالتفت إلى الرجل الذي روى لنا قصة مصطفى الحامي وقلت له : انتسب من فضلك، واذكر لنا ما قصتك أنت الذي أحسنت في رواية ما وقع لصاحبك. فأطرق ولم يرد علي. فانبرى رابعهم فقال: هذا النبيل الذي استحيى أن يتكلم عن نفسه، كان ملك البلاد، من سلالة الدولة الحامية الوطاسية.  وكفى المرء شرفا أن يحجم عن الكلام عن نفسه.

معركة وجود

هو أبو عبد الله محمد الملقب "بالبرتغالي" سلطان المغرب الوطاسي حكم من سنة   1504 إلى سنة 1525. أسندت له الإمارة بعد وفاة أبيه مؤسس الأسرة الوطاسية، حيث كان أكبر إخوته. وكان البرتغاليون قد أسروه وهو صغير عندما احتلوا أصيلا سنة 1471 وتم إطلاق سراحه مع إخوته بعد أن قام والده بعقد هدنة مع البرتغاليين.
لقد انشغل العثمانيون الذين يمثلون الخلافة الإسلامية بغزواتهم العملاقة في البر والبحر في آسيا وأوروبا. وقد تم لهم في تلك الأيام فتح القسطنطينية سنة 1453.



وتركوا المغاربة وحدهم في مواجهة الحملات الصليبية الأوروبية بزعامة البرتغال. وكان بابا الفاتكان قد قسم العالم بين إسبانيا والبرتغال، أعظم دولتين في العالم بعد الدولة العثمانية في ذلك التاريخ. تمكن الإسبان والبرتغال من احتلال الصدارة بعد تغلبهم على المسلمين في الأندلس باحتلال  غرناطة سنة 1492.
 فكان من نصيب البرتغال في التقسيم الصليبي بلاد المغرب الأقصى وإفريقيا وكل البقاع المكتشفة في العالم الجديد الذي تكلم عنه سابقا صاحبنا مصطفى. وكان أول اكتشاف للعالم الجديد قد أنجزه للبرتغال المستكشف كريستوف كولومب سنة 1492،


  وهي نفس السنة التي سقطت فيها غرناطة. وتجلت حكمة الخبير المدبر في ما تقارب من الوقائع في الحدثان، لكي نتدبرها بعد مضي الأزمان، وليس هذا مقام ذكرها الذي يستحق أن تخصص له الأسفار المسفرة.
وهنا تكلم طيف روح الملك الوطاسي ليرفع عنه تهما دونها عليه الخصوم في التاريخ. قال: لقد رمونا بعدم توفر شروط الإمارة فينا لأننا لم نستطع إنقاذ غرناطة من السقوط في يد الصليبيين. وأنتم تعلمون اليوم أن ذلك كان من مسؤولية العثمانيين الذين كنا نعترف بسلطانهم وندعو له في منابرنا، حفاظا على عقد الخلافة الجامعة للمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها. ومع ذلك لم ندخر جهدا في توحيد كلمة المغاربة لدفع الغزو الصليبي الذي بدأ يطرق ثغور المغرب كلها وليس غرناطة فقط. ولقد وقعت في الأسر كما حدث لصاحبنا مصطفى، لولا لطف الله، ثم عقد دبلوماسي لتبادل الأسرى كنت في جملته. ولقد أدركت لما كنت في الأسر أن القوة الصاعدة يصنعها المستكشفون الممهدون لاستيطان بلاد الذهب والفضة والخشب الضروري لصناعة السفن. ولقد شعرت بأهمية تلك الوسائل ميدانيا في مهمات حماية الثغور لما افتقرنا للمال الذي يصرف على الجند وعلى صناعة البارود وقطع المدافع والبنادق... وحصل بسبب ذلك هروب السكان من مدن السواحل، خوفا من بطش البرتقيز.

جذور نهضة وأسباب نكسة

وهنا تدخل طيف روح الرجل الرابع الذي لزم الصمت طوال المحادثة، يصغي مطرقا نظره إطراقة من توسع علمه فقل اعتراضه، فهو مشغول بالباطن الكثيف عن الظاهر المخيف. قال بعد أن حمد الله وشكره وصلى على نبيه المختار بما طلبته الوقت من الأمداح والأذكار: شهادة حق أقولها في هذا الملك المقتدر الذي سموه تعسفا الملك البرتقيزي، لقد علم فعلا أن مستقبل التمكين قد انتقل إلى ما وراء الحدود، فكلفني بالمضي لكي استكشف البلدان، للحصول على التبر اللازم لتجنيد الجند وإعداد القوة ورباط الخيل والبارود...
فقلت له: انتسب لكي نتعرف على الشاهد، لأن الشهادة لها شروط لدفع كل معاند. فأجاب مصطفى الزموري نيابة عنه فقال: لا يمكن  ذكر سير الرجال، إلا من كان لهم مشاركا في الأحوال.. هذا رجل من نسل حام، كلفه مولانا السلطان محمد بالقيام برحلة عبر الممالك والبحار، محاكاة لما يقوم به البرتقيز والأسبان. وللغرض الذي أفصح عنه اللسان.
ينتسب الحسن بن محمد الوزان الذي يعرف في الغرب باسم ليون الإفريقي، إلى قبيلة بني زيات الزناتية، عاشت أسرته حقبا من الزمن في الأندلس. وولد عام 894 هجرية بمدينة غرناطة قبيل سقوطها في يد الأسبان. هاجر إلى المغرب وأصبح مستكشفا وسفيرا لهذا السلطان الأمجد الذي كنوه البرتقيزي، كنية تذكر بمحنة أسره... فكان من المستكشفين لتمبكتو وممالك أفريقية أخرى، وقد زار كذلك مصر وإسطنبول في رحلاته كما حج أثناء إقامته في غرب آسيا، ثم سقط في الأسر خلال توقف سفينته في جزيرة جربة واقتيد إلى روما كهدية للبابا ليون العاشر الذي حمله على تدريس العربية في روما. وكتب فيها مجموعة كتب في اللغة والأدب والجغرافيا أشهرها كتاب "وصف أفريقيا" باللغة الإيطالية. وقد فك الله أسره وأنقذه من الشرك وقفل راجعا إلى تونس ليعيش في دار الإسلام، دون أن يشتهر في الجانب الإسلامي كشهرته في الغرب تحت مسمى " ليون الأفريقي".
وهنا تدخل طيف روح الملك محمد البرتقيزي فقال : أشهد أن هذا المستكشف النبيل الذي بعثته لإعداد ما في الاستطاعة من قوة ورباط الخيل والبارود قد نجح في مهمته. وقد انتفع بتلك المعلومات المسلمون فيما بعدنا تحت دولة الأشراف السعديين الذين سلمنا لهم البلاد بدون قتال، تنفيذا لأمر الله  في تداول الأيام بين العرب والأمازيغ، ومحبة في العترة النبوية التي تؤطر دولة السعديين.
فكانت فرصة سانحة لطيف الشريف الجزولي للأدلاء بشهادته، قال أعلى الله مقامكم في الجنان بسبب تعقلكم في تدبير أمر التداول بلا سفك للدماء، وهداكم الله لتحديد العدو الحقيقي فكنتم يدا واحدة على الغزاة الصليبيين، عكس ما كان عليه بعض الأعراب الذين سلموا للبرتغاليين مدنا بكاملها على الساحل. والتاريخ يذكرهم بالخزي والعار واللعنات اللاحقة بالغادرين... وأغتنم الفرصة لأتبرأ من الزنديق عمر السياف الشياظمي، الذي انتحل التصوف البدعي، فادعى المطالبة بدمي، كما فعل معاوية بدم عثمان. وأنتم تعلمون ما فعل بجثتي، نبش قبري وأخذ عظامي في تابوت يحمله تبركا شركيا في معاركه التي يسفك فيها دماء المسلمين. وهو زنديق طالب للدنيا ولا يستحق أن يذكر إلا في جملة الملعونين. ولقد انفضح أمره وقتلته زوجته حدا لما باغتته وهو يضاجع ابنة لها من زوج آخر... فكفى الله فتنته التي أزهقت أرواحا كثيرة في أقاليم سوس وحاحة. فالحذر الحذر من المبتدعين المسترزقين باسم الدين. والحذر الحذر من الذين يوادون من حاد الله ورسوله من أجل الغدر بالمسلمين...
وكنت قد سمعت بليون الإفريقي فأردت المزيد من العلم بسيرته، وسبب تهميشه في الثقافة العربية... سألته قائلا: لا ريب أنك كنت من المساهمين في النهضة الفكرية الأوروبية، لكن ما نوع نفعك لأمة ألإسلام. فجاء بجواب مقنع يغني عن كل كلام... قال: هل القرآن الكريم جاء خاصة للعرب؟ فكذلك ما يؤلفه المؤلفون من علوم يظهرها الله على أيديهم... ينتفع بها الأذكياء الذين حان دور استخلافهم، وينبذها المغفلون الذين لا يفهمون غايات الاستخلاف ووسائله... فهم قاعدون، يتربصون حتى يأتي الله بأمره...
وهنا التفت إلى جهة الشريف الجزولي المؤلف لكتاب "دلائل الخيرات" وكتاب "سبحان الدائم" سألته عن رأيه من أجل  البينة في حجة الرجل، فقال: ما قاله هو من قبيل فهم صحيح لقوله تعالى {{ وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}}. وفضلا عن النفع العام لجميع خلق الله الناهض، لا شك أن المهمات الدبلوماسية والاستكشافات التي أنجزها لفائدة الدولة الوطاسية والدولة السعدية هي التي فتحت الثغور الصحراوية. عوض بها المسلمون الثغور البحرية التي استولى عليها الصليبيون، ودافعوا عنها بشراسة نظرا لتنامي أهميتها في تجارتهم الذهبية مع العالم الجديد. وكانت استكشافاته ممهدة لتلك الفتوحات في  إفريقيا من أجل إنقاذها من السحر والوثنية والشرك، ونشر دين التوحيد فيها. وكان من بين ثمارها، ذلك التبادل التجاري الذي صدر إلى إفريقيا ما تحتاجه، وجلب منها الذهب وكذلك الرجال الأشداء الذين كانوا ضمن جند الله الذين صدوا  الغزو البرتقيزي للمغرب، في معركة وادي المخازن الحاسمة.
 أهم نتائج تلك الوقعة المشهورة، محو دولة البرتقيز من الخارطة الدولية... لكن لم يكتب للمسلمين ضم ممتلكاتها في العالم الجديد: البرازيل وغيره من الأقطار الشاسعة في إفريقيا وآسيا وبحر العرب، وهي تعد شرعا من جملة غنائم الحرب. لكن اسبانيا استولت عليها لضعف المغاربة آنذاك في التخطيطات  الجيوسياسية وفي الديبلوماسية الراقية... التي كان آخر عهد المغاربة بها يتمثل في هذين الرجلين. وأشار إلى جهة مصطفى الأزموري الذي يعرف عند المستكشفين والمثقفين الأسبان والأمريكان باسم " Estevanico ". وأشار إلى جهة حسن الوزان، المعروف في الفاتكان، وفي العالم الغربي باسم " Léon l'Africain ".

عوائق العبور

قلت للجمع المبارك: تعلمون الخطبة التي لا زالت مياه المحيط تذكرها لعقبة بن نافع الناشر لدين الحق الذي لم تشبه شائبة؟ عندما خاض هذا البحر بفرسه، قال رحمة الله عليه: "والله لو علمت أن وراء هذا البحر أناساً لا يعبدونك لعبرت البحر حتى أقاتلهم". وأنتم الآن تعلمون أن هناك عوالم تنتظرنا ليس فقط البرازيل الذي يطالبكم بإقامة ما لكم وما عليكم من حقوق شرعية، فرضتها عليكم أرواح شهداء وقعة وادي المخازن، وغيرها من أرواح شهداء الغزوات الصليبية.
فلما كنا في قاع المحيط في التفكر غائصين، سمعنا صوتا هاتفا أتانا من جهة الحوت العظيم، قال بلسان عربي مبين: قل لهم يا ابن الوزان، ما الميزان الذي اختل عندهم فلم يكتب لهم العبور... أجاب ابن الوزان إنه ميزان الطبيعة... قلنا له أفصح رحمك الله... قال هي جواهر نثرتها في كتبي، نافعة لمن يريد إقامة الميزان. قال: كنت قد تحدث في كتبي عن نفع خلق الله جميعا. وقد علمتم أن ذلك الخلق الذي وصفت لكم في بلاد الأمازيغ، أثخن فيه الأعراب بالنهب والسلب كما يفعل الجراد المنتشر. فما بقي منه إلا القليل. انقرضت المراعي الخصبة والغابات الكثيفة، فتبعتها العيون الجارية ثم الفيلة وأفراس البحر والغزلان والوعول والحمر الوحشية وغيرها من ذوات الأظلاف، ثم تبعتها الأسد والفهود والذئاب وغيرها من المفترسات، ثم تبعتها أنواع سمك النون والشابل وحيتان البحر التي كانت تتوالد في غيران "كير"، فظهر الفساد في البر والبحر، وذهبت ثروات الأرض أدراج الرياح... فهل تصلح تلك التربية المخربة التي تفشت في القوم بعد عهدنا، لتكون مستخلفة على غابات الأمزون وغيرها من البراري العذراء في العالم الجديد؟ تلك من جملة حكم الله في ما جرت به المقادير...
ونطق هاتف آخر من أعماق بحر الظلمات لم نستطع رؤيته وقد بهرتنا أنواره: قال: تربية جبرائيلية تحسن سلوك الأمازيغ ببركة نورانية الصلاة على صاحب الشريعة والبرهان... أفصح لهم ياقطب الزمان الغابر، عن السر الذي هو في شجرة الكون سائر... فأجاب الشريف الفاني في معراج الدنو والتداني... إن لم يتخل القوم عن التربية العلمانية الفرنكو أعرابية،  ويتحلون بأخلاق النبي صلى الله عليه وسلم في التجارة والإجارة، فلن يفلحوا في الدنيا ولا في الآخرة. ولن تتحسن تربية القوم حتى يحبوا الله والنبي حبا يفنيهم عن محبة أي شيء. ولن يحبوا نبيهم حتى يسلموا له في الأمر والنهي: {{ قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم}} " آل عمران؛ 31 ". وسر الوجود في المحبة خاصة محبة الرسول ومحبة عترته المهدية صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله... ذلك هو المقصود في ما ألفته في مؤلفاتي...

التجارة الرابحة

ثم سمعنا هاتفا آخر جاء من فوقنا فلعله صدر من أصل الصور القابل للنفخ. فصور لنا في ظلمات البحر، بدائع لا حياة فيها اليوم: قال شارحا لنا تلك الخيالات: هذه صور إسرافيلية لن تنفخ فيها حياة الوجود إلا بهمة القطب الجامع بين همة ميكائيل وهمة جبرائيل. ذلك هو العدل والإحسان الذي أمرنا به الرب المنان {{  إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون }}. النحل؛ 90 ".
ثم قال مخاطبا جمعنا: من منكم يرفع الإشكال، مع حفظ السر الذي لا ينقال: فنظر بعضنا إلى البعض، فخاف كل واحد من خطر الدعوى، فيطرد من المجلس... فلما تبين من ورعنا قال: هو زمان قريب نفخ الروح فيه ... تتحرر إرادة من تعرف على مهدي زمانه، فينبري لحمل الأمانة التي فرضت عليه... أنظروا ما هو مطوي في باطن الصور العظيم.. فنظرنا فإذا هو نسخة من ميناء موكادير، الذي خرج منه العفريت إفراقيش، محررا من قماقم الأسر، وقد مر الحديث عليه في قصة " ودار الزمان في بلاد مازغستان". ورأينا الميناء غير الميناء الحقير الذي كان قبل ربيع الشعوب. لا يدانيه سوى ميناء سنغفورة في الوصف.
سفن عظيمة مصنوعة من حديد موريطانيا، غاديات رائحات في بحر الظلمات، ساعيات في مربح التجارات مع العالم الجديد، التي لا يقوى عليها إلا تجار سوس العالمة... وهم يتلون القرآن وترتفع أصواتهم بسماع ذكر دلائل الخيرات...
ومن كان منهم متعجلا في سفره عمد إلى تلك الطائرات الخاصة أو العامة  التي هم لها صانعون من أليمينيوم العرب وكرافين الفرس ومحركات وادي النيل...

رعب الأعاصير

فلما انتشيت بما رأيت في عالم الخيال وددت لو رجعت إلى بداية سفرتي، فأخبر طيف ملاك ميكائيل بما حصل لي من العلم مع النفر الأربعة. وقد شعر النفر بعزمتي، فلم يطيقو الفراق، ولم يكن في الوسع سوى تبادل العناق، لرفع لهيب الاشتياق. فاستودعوني الله الذي لا تضيع معه الودائع. ومن جملتها العلم النافع،  زودوني به وصية أبلغها، طمعا في نيل العمل بها... فهم رحمهم الله في دار الحق،  أدرى بحقيقة قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له".
فارقت النفر الأربعة، وخرجت من أعماق بحر الظلمات، إلى أرض البدايات المشرقات، يصحبني مثل ما كان لعقبة بن نافع من عزمات، وترشدني الدلائل لمنتهى الخيرات، اللهم صل على سيدنا محمد صلاة تنجينا بها من جميع الأهوال و الآفات و تقضي لنا بها جميع الحاجات و تطهرنا بها من جميع السيئات و ترفعنا بها عندك اعلى الدرجات و تبلغنا بها اقصى الغايات من جميع الخيرات في الحياة و بعد الممات .
وتلقاني طيف الملك ميكائيل، وأنا أردد تلك الصلوات،  فقال مبتسما: كيف كان مجلسك في حضرة الرجال الأربعة؟ فنظرت إليه ولم أرد على السؤال،  لأنه أدرى مني بالجواب. إنما أبديت له رعبي من الأعاصير التي تنتظرني في رحلة الرجوع إلى أعالي نهر ميسيسيبي. فقال لي أتقول هذا وأنت تعلم أن القوي الخبير سخرها لي أوجهها حيث أشاء؟
فلما وصلنا إلى مصب "أبي المياه"، رافقنا طيف الروح العظيم جبرائيل، وكلما أشار إلى مكان في حوض النهر، هربت منه الشياطين، وحلت مكانهم جلسات الأذكار الممجدة للدائم القهار، والمصلية على النبي المختار... إنما كانت الجلسات حسب ما أوصى به مصطفى، تحترم الطبائع التي فطر الله عليها أولاد حام المرشحين للاستخلاف... فتحولت نغمات "ملك المغنيين" في مدينة "منفيس"

 إلى حلقات الهيام بمزامر داود، وهي توحد الخالق وتمجد الرسل وتعترف بالملائكة والحشر والكتب المنزلة، في آخر نسخة لها القرآن الكريم الذي تولى الله حفظه من تزوير عصاة بني إسرائيل.

أمانة وابتلاء

فلما بلغنا ولاية "إلينوي" التي بدأ منها التمكين لبني حام، سمعنا هاتفا ولم نر له طيفا، ربما صدر عن طيف إسرافيل صاحب النفخ في الصور،  قال من مكان عميق، بصوت الرعد الذي يسبح بحمد الله: هممت بنفخ قبس من نور محمد في ابن الحسين، وفي فرقة "أمة الإسلام" الأمريكية التي تتخطفها الأهواء والبدع، ولكن تركت الأمر لبني عمومتهم  لنبلوهم في مسؤولية حمل الأمانة للعالمين، بعدما تخاذل عنها الأعراب المدوخون بفتنة السطو على ثروات الأمة، أو أساؤوا لها بتبني الإرهاب، سيرا على نهج عصاة بني إسرائيل، السفاكين للدماء، الموقدين للحروب. الله قادر غني عنهم في بلوغ أمره، ولكنه قضاء الملحمة، وقدرالامتحان...
فلما شرعنا في الهبوط قال لى طيف الروح الأمين: هاك  الدليل على غنى الله عن العالمين: أنت  الآن فوق ولاية مينيسوطا التي استخلف الله عليها مسلما من أبناء حام قبل ظهور أمر ابن الحسين. وهناك في أقصى الأفق ترى ولاية في كندا،  كانت قاب قوسين أو أدنى أن يعترف برلمانها 

بالشريعة المحمدية في الأحوال الشخصية، لولا المعارضة الشرسة من لدن أعرابيات لاييكيات من المغرب، ونساء من عصاة بني إسرائيل، قاتلن قتالا مستميتا من أجل إجهاض المشروع. ومن غريب القدر أن المشروع، قدمته خبيرة من النصرانيات... فهي بلا شك من الصنف الذي مجدهم الله في قرآنه الكريم، {{ وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ }}. [المائدة:83].  سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين...

خاتمة

تناول الكلمة في ختام سماع القصة الفتى فبرايار، فاقترح على المجالس المتتبعة لمنتدى الغرابة شرقا وغربا، اقتراحا غريبا، قال: تعلمون أن الليلة هي ليلة المولد النبوي؟ وأنتم في مدينة إمهواش، والكلمة ترتبط بقوم من الزاوية الدرقاوية في الأطلس الكبير، يهيمون على وجوههم في هذه الأيام المجيدة محبة في صاحب الذكرى. وأمهاوش باللسان البربري هو الهائم، والجمع هو إمهواش أي الهائمون في محبة الرسول صلى الله عليه وسلم... والقوم كانوا ممن قاتل المحتلين للبلد من النصارى في بداية القرن الماضي كما قاتلهم الخطابي في جبال الريف، فنالوا بذلك سخط الدولة العربية الهجينة، فكان ذلك سببا في تهميش أقاليمهم من التنمية، إلى أن بزغ فجر الربيع الإسلامي، الذي ترون ثماره اليوم، في أواخر هذا القرن الخامس عشر الهجري. فما رأيكم بإحياء هذه الذكرى الخالدة التي قال عنها الشاعر:
ليلة المولد الذي كان للديــــــــــن سرور بيومه وازدهاء
فاتفق الجميع على إحياء الليلة بالسماع المتدبر لما تيسر من كتاب الله، ثم بالصلاة والسلام على النبي المختار بالصيغ الشريفة التي جاءت في كتاب دلائل الخيرات. بنية تنقيته من الشوائب المحتملة التي قذف بها من لدن بعض فقهاء النصب والتكفير لأهل القبلة.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.




حرر ليلة المولد النبوي 12 ربيع الأول 1434 موافق  24 يناير 2013
إنديانا ـ  الولايات المتحدة
محمد المهدي الحسني


ظهر غلاف الكتاب





















...أربعة أطياف أرواح جاءت من البرزخ. اجتمعنا بهم في عمق المصب في سفينة غارقة من السفن البرتغالية، كانت محملة بالتبر الخالص. فسلمنا عليهم وردوا بأحسن منها. وقرأوا في باطن عقلي، الهاجس الذي يحرك شبحي. فانبرى أحدهم فقال: إنا قد علمنا نبل مسعاكم، فهلا شاركتمونا في حسنات بركات خطاكم، فإنه قد تجمع لدينا مع مرور القرون علم نافع، لو وجد من ينشره بين أولاد حام لهذا الزمان...




صورمن أعالي نهر الميسيسيبي
في مينيابوليس ـ ولاية مينيسوتا










نشر في مدونة نضال ضد الفساد
تاريخ النشر :
 ليلة المولد النبوي 12 ربيع الأول 1434 موافق  24 يناير 2013

تأليف محمد المهدي الحسني
إنديانا ـ الولايات المتحدة الأمريكية









[1]  رواه مسلم 534/1. 
[2]   ابن أبي العز الحنفي، شرح العقيدة الطحاوية  ص: 230



[i]  روى الشيخان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الإيمان بضع وسبعون -عند البخاري بضع وستون- شعبة (زاد مسلم): أعلاها قول لا إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان". 

ليست هناك تعليقات: